كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَمَادِي الْأَوْقَاتِ وَإِهْمَالِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَاطِ مَنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِمَنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ.
وَكَلَامُ ابْنِ جَرِيرٍ أَوَّلُ مَا يُسْمَعُ يُسْتَنْكَرُ وَإِذَا نُظِرَ فِيهِ لَمْ نَجِدْ عَنْهُ مَدْفَعٌ شَرْعِيٌّ وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فِيمَا يَحْدُثُ وَمَنْعُهُ مِنْ تَمَلُّكِ دَارٍ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ غَرِيبٌ مَعَ اقْتِصَارِ الْبَحْثِ لَهُ.
وَهَذَا طَرِيقٌ إلَى نَقْصِ كَثِيرٍ مِنْ أَمْلَاكِهِمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِي صِحَّةِ شِرَائِهِ خِلَافٌ كَنَظِيرِهِ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ. وَمِمَّا يُوقَفُ عَنْ قَبُولِ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْيَهُودَ الْمُوَادِعِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَوَّلِ مُدَّةً طَوِيلَةً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ شُرِعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ أَوْ أَنَّ وُجُوبَهُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ إجْلَائِهِمْ وَإِبْقَائِهِمْ كَانَ جَيِّدًا وَكُنَّا نَحْمِلُ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ إبْقَائِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مَا رَأَى الْمَاضُونَ الْمَصْلَحَةَ فِي إجْلَائِهِمْ.
وَاَلَّذِي يَشْهَدُ الْخَاطِرُ أَنَّ سَبَبَهُ إهْمَالُ الْمُلُوكِ ذَلِكَ وَعَدَمُ نَظَرِهِمْ وَلَيْسُوا أَهْلَ قُدْوَةٍ وَأَعْمَالُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهِمَمُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالِاسْتِيلَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ مَشْغُولُونَ بِعِلْمِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ عَنْ مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَتَضْيِيعِ زَمَانِهِمْ فِيهِ مَعَ صُعُوبَتِهِ كَمَا نَحْنُ نُشَاهِدُ، وَلَقَدْ كَانَ الْبَكْرِيُّ شَاهَدَ مِنْ عُلُوِّهِمْ وَاسْتِيلَائِهِمْ مَا أَوْجَبَ تَأَثُّرَ قَلْبِهِ وَانْفِعَالِهِ لِقَبُولِ كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي الْأَمْصَارِ إذَا كَانَ إلَيْهِمْ حَاجَةٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ لَهُ غُلَامٌ نَصْرَانِيٌّ اسْمُهُ أَشَقُّ كَانَ يَقُولُ لَهُ أَسْلِمْ حَتَّى أَسْتَعْمِلَك فَإِنِّي لَا أَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مُسْلِمًا فَيَأْبَى فَأَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَبُو لُؤْلُؤَةَ كَانَ مَجُوسِيًّا لَكِنْ مَا جَاءَ مِنْهُ خَيْرٌ.
وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ مَهْمَا تَنْصَحْ فَلَنْ نَعْزِلَك عَنْ عَمَلِك وَمَنْ أَقَامَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ مَجُوسِيَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ. وَكَانَ الْمُنْذِرُ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْلَامِهِ وَتَصْدِيقِهِ وَإِنِّي قَرَأْت كِتَابَك عَلَى أَهْلِ هَجَرَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَحَبَّ الْإِسْلَامَ وَأَعْجَبَهُ وَدَخَلَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَبِأَرْضِي مَجُوسٌ وَيَهُودُ فَأَحْدِثْ إلَيَّ فِي ذَلِكَ أَمْرَك فَانْظُرْ مَا كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَخْرِجْهُمْ مِنْ بِلَادِك وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ تَأَلُّفُهُمْ رَجَاءَ إسْلَامِهِمْ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute