للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ لَوْ اشْتَرَى مَمْلُوكًا مُسْلِمًا مِنْ مَمَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَهُ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ إقْرَارُ مُسْلِمٍ فِي مِلْكِ كَافِرٍ فَكَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ إقْرَارُ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فِي مِلْكِهِ.

هَذَا كَلَامُ ابْنِ جَرِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي خَيْبَرَ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي نَجْرَانَ فَعَجَبٌ وَنَجْرَانُ قَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ حَالُهَا يُشْبِهُ حَالَ خَيْبَرَ وَلَا أَهْلُهَا عُمَّالًا لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ لِأَنْفُسِهِمْ وَعَلَيْهِمْ شَيْءٌ مَعْلُومٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

وَأَمَّا تَعْدِيَتُهُ حُكْمَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَى سَائِرِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إجْلَاؤُهُمْ فِي أَنَّ غَيْرَ الْحِجَازِ مِنْ الْجَزِيرَةِ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ وَهِيَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ جَرِيرٍ فِيهِ رُوحٌ وَلَا مَدْفَعَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ وَالنَّصِّ وَالْقِيَاسُ وَالْعَمَلُ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَافِعٌ لِكَلَامِهِ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَدْنَا فِيهِ نَصَارَى غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمْ وَتَحَقَّقْنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ إقْرَارَهُمْ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُمْ صُلْحٌ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي بَلَدٍ نَفْتَحُهَا الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ دَافِعٌ كَذَلِكَ إذَا وَرَدَ نَصْرَانِيٌّ غَرِيبٌ إلَى بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ لَهُ أَوْ لِأَسْلَافِهِ صُلْحٌ فَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ جَرِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَلْدَةٌ قَرِيبَةُ الْفَتْحِ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ حَالِهَا وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَقْدِ الصُّلْحِ فِيهَا وَأَرَادَ سُكْنَاهَا مَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَقْدُ صُلْحٍ وَلَا دُخُولَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْتَنِعُ حَتَّى يُثْبِتَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي الْبِلَادِ الْقَدِيمَةِ كَدِمَشْقَ وَبَعْلَبَكّ وَحِمْصَ وَمِصْرَ وَمَا أَشْبَهَهَا فِيهَا نَصَارَى لَا حَاجَةَ بِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ.

وَلَا نَعْلَمُ هَلْ تَقَدَّمَ لَهُمْ عَقْدُ صُلْحٍ يَقْتَضِي إقَامَتَهُمْ فِيهَا أَوْ لَا فَهَلْ نَقُولُ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ حَتَّى يَثْبُتَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ، أَوْ نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ إقَامَتَهُمْ بِحَقٍّ فَلَا يُزْعَجُونَ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ، هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَيَشْهَدُ لِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ شَوَاهِدُ فِي الْفِقْهِ يَصْلُحُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ غَيْرِ الْأَصْلِ بَعِيدٌ مَعَ تَطَابُقِ الْأَعْصَارِ عَلَى وُجُودِهِمْ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ أَوْ بَقَائِهِمْ وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>