إذَا أُسْقِطَ الْأَوَّلُ بَقِيَ الثَّانِي لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ وَهَذَا مِنْ الْإِصْطَخْرِيِّ مَعَ مَنْعِهِ الْإِعَادَةَ وَالتَّرْمِيمَ عَجِيبٌ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنِيسَةُ الْمُبْقَاةُ فَهَلْ لَهُمْ إعَادَتُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) لَا وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ أَبِي هُبَيْرَةَ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ ابْتِدَاءُ كَنِيسَةٍ. قُلْت وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّا لَمْ نَلْتَزِمْ لَهُمْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَلَا كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا شُرُوطِهِمْ مَا يَقْتَضِيهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمُنْهَدِمَةِ بِعَيْنِهَا فَيُعَادُ تَأْلِيفُهَا فَنَتْرُكُهُمْ وَذَاكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْكَنِيسَةَ مُبْقَاةٌ لَهُمْ فَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَكَانِهَا.
قُلْت مِنْ أَيْنَ إذَا كَانَتْ مُبْقَاةً لَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَا انْتِفَاعًا خَاصًّا مُدَّةَ بَقَائِهَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَكَانِهَا وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ لَهُمْ التَّصَرُّفَ فِي مَكَانِهَا مِنْ أَيْنَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ؟ ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ إحْدَاثِهِمْ كَنِيسَةً، وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ يَجْعَلُ الْكَنِيسَةَ هِيَ الْأَرْضُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْكُلُّ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلَيْتَ لَوْ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ تُعَادَ بِآلَتِهَا الْقَدِيمَةِ وَحِينَئِذٍ كَانَ يَسْهُلُ التَّجْوِيزُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّرْمِيمِ بَلْ هُنَا قَرِينَةٌ تَقْتَضِي الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ لَفْظُ الْإِعَادَةِ فَالْمُعَادُ هُوَ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُهُ، أَمَّا إعَادَةُ الْكَنِيسَةِ بِأَعْيَانٍ أُخْرَى فَبَعِيدٌ جِدًّا. فَإِنْ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ احْتَمَلْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا وَأَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ الْهَدْمِ فَنَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَلَا نَزِيدُ وَنَقُولُ هُوَ الْإِبْقَاءُ ثُمَّ الْإِبْقَاءُ مُسْتَلْزِمُ بَقَاءَ نَوْعِهِ ثُمَّ إعَادَةُ مِثْلِهِ.
هَذَا كُلُّهُ لَا دَلِيلَ مِنْ الشَّرْعِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ بُطْلَانُهُ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُمْ إعَادَتَهَا فَهَلْ لَهُمْ تَوْسِيعُ حِيطَانِهَا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَمَا لَوْ أَعَادُوهَا عَلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى. قُلْت هَذَا يُسْتَغَاثُ إلَى اللَّهِ مِنْهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ غَلَطٌ مَحْضٌ قَالَ: وَأَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَنِيسَةٌ جَدِيدَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْأُولَى. قُلْت هَذَا حَقٌّ وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الصَّبَّاغِ مَسْأَلَةَ التَّرْمِيمِ، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْإِعَادَةِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَصْحِيحٍ.
وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْأُولَى مِنْ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ فِي إصْلَاحِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْ الْكَنَائِسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute