للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ وَأَنْ يَكُونَ قَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَأَنْ يَكُونَ قَامَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَسْلُوبُ إنَّمَا هُوَ شُمُولُ الْقِيَامِ لِجَمِيعِهِمْ. وَإِذَا احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُعِينُ أَحَدَ الْمُحْتَمَلَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ قَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَأَنْ يَكُونَ قَامَ بَعْضُهُمْ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ سَلْبَ الْعُمُومِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى عُمُومِ السَّلْبِ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يُنَافِي الْأَخَصَّ، وَبِهَذَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَنَا لَا كَلَّمْت هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ " كُلّ " يُفِيدُ الْعُمُومَ لِأَنَّ لَفْظَةَ أَحَدٍ نَكِرَةٌ وَقَدْ دَخَلَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ فَيَحْنَثُ بِكَلَامِ أَيِّهِمَا كَانَ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْآخَرِ حِنْثًا آخَرَ فَإِذَا دَخَلَتْهُ لَفْظَةُ " كُلّ " وَقُلْت لَا كَلَّمْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ سَلْبٌ لِلْعُمُومِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصِّيغَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ إدْخَالُك كَلِمَةِ " كُلُّ وَاحِدٍ " وَكَلِمَةِ " مِنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ " وَأَقْصَى مَا عِنْدَك أَنْ تَقُولَ تَأْكِيدٌ وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، وَإِنْ جَعَلْتهَا بِمَنْزِلَةِ الصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ وَإِدْخَالِ كَلِمَتَيْنِ لَا فَائِدَةَ تَأْسِيسُهُ فِيهِمَا وَكَمَا تَجَنَّبْنَا فِيمَا سَبَقَ إدْخَالَ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ تَجَنَّبْنَا هُنَا إدْخَالَ كَلِمَتَيْنِ فَجَعَلْنَا إدْخَالَ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ لِعُمُومِ السَّلْبِ فَإِنَّهَا قَرِينَةُ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَضَى وَلِتَغَايُرِ الْمَعَانِي الثَّلَاثِ فِي الصِّيَغِ الثَّلَاثِ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ الْمُتَغَايِرَةُ لَهَا مَعَانٍ مُتَغَايِرَةٍ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا تَغَايُرُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ، وَالثَّالِثَةُ تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ عَامٌّ لَا مُبْهَمٌ وَبَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُبْهَمِ فَرْقٌ وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَرْقٌ لَا جَرَمَ لَمْ يَتَّفِقْ الْأَصْحَابُ عَلَى حُكْمِهِمَا بَلْ اخْتَلَفُوا فِي الثَّالِثَةِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فِي الْإِيلَاءِ وَالْيَمِينِ وَاتَّفَقُوا فِي الثَّانِيَةِ، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ أَدِلَّةِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} [الإسراء: ٣١] وَنَحْوَهُ لَا نَقُولُ إنَّهُ سَلْبٌ لِلْعُمُومِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ السَّلْبِ لِأَنَّا نَقْطَعُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلَادِ وَمَجْمُوعَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الإسراء: ٣٣] وَمَا أَشْبَهُهَا وَالْمَقَاصِدُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ بِدُونِ بَيَانِ الْحُكْمِ بِعُمُومِ السَّلْبِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ قَاصِدٌ لِلْإِجْمَالِ وَقَصَدَ الشَّارِعُ الْبَيَانَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْقَرَائِنُ مِمَّا تُعَيِّنُ الْمُرَادَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>