وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتِي لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَسَاوَى قَوْلَهُ لَا وَطِئْتُهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ عُمُومُ السَّلْبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَدَّمَ وَقَالَ: كُلَّ وَاحِدَةٍ لَا وَطِئْتهَا فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِمَا الْتَزَمَهُ بِالْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ وَلَدٍ وَاحِدٍ مُخَالِفٌ لِلنَّهْيِ كَمَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَ كَذَا حَنِثَ بِكَلَامِهِ فِي أَيِّ سَاعَةٍ مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ فِي السَّلْبِ وَفِي كَوْنِ النَّهْيِ وَالْيَمِينِ فِي مَعْنَاهُ نَظَرٌ أَمَّا النَّهْيُ فَهُوَ إنْشَاءُ مَنْعٍ فَهُوَ كَالْحُكْمِ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَالْيَمِينُ إنْشَاءُ امْتِنَاعٍ كَذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يَجْتَمِعُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ الْحِنْثِ بِأَحَدِهِمَا فِي ذَلِكَ مَعَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّهُمَا سَلْبِيَّانِ فَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ إذَا نَصَّ عَلَى الْمُفْرَدَيْنِ، فَقَالَ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَتَانِ. وَمَنْ ظَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، وَالْمَأْخَذُ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّنْصِيصِ وَالصَّرَاحَةِ.
وَصُورَتُهُ وَمَعْنَاهُ مُخَالِفٌ لِصُورَةِ الْعُمُومِ وَمَعْنَاهُ بِدَلِيلِ عَدَمِ احْتِمَالِهِ لِلتَّخْصِيصِ وَاحْتِمَالِ الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ قَالَ: لَا وَطِئْت هَذِهِ وَلَا هَذِهِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِأَحَدِهِمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْإِيلَاءِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُذْكَرْ مِثْلُهَا فِي الْأَيْمَانِ إلَّا فِي الْمِثَالِ الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَجَّهْنَا الْحِنْثَ فِيهَا بِوَاحِدٍ وَالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ. وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ فَنَقُولُ قَدْ بَيَّنَّا كَوْنَ قَوْلِهِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً مَعَ كَوْنِهَا عُمُومِ سَلْبٍ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ يُخَالِفُهُ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَلَيْسَ كَالْجَمْعِ الَّذِي لَا يُخَالِفُ إلَّا بِالْمَجْمُوعِ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَلِذَلِكَ يَقُولُ بِبَقَاءِ الْإِيلَاءِ، فَيَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي كَوْنِهَا يَمِينًا أَوْ يَمِينَيْنِ خِلَافًا بَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْأَصْحَابِ فَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَرَى أَنَّهُمَا يَمِينَانِ وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ هِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ حَنِثَ بِأَوَّلِهَا وَالرُّجْحَانُ مَعَهُمْ سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute