الْقِيمَةُ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ أَوْ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَوْ وَقَعَ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا لَا نَحْكُمُ بِبُطْلَانِهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ. فَإِنْ قُلْت وَلَا نَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ. قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ هُنَا قَدْ حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ فَلَا يُغَيَّرُ مَا حَكَمْنَا بِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِفَسَادِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِصْحَابِ مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي مُعْتَمَدٌ يَشْهَدُ لَهُ هَذَا الْفَرْعُ وَفَرْعٌ آخَرُ إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَقَالَ الْقَاضِي قَدْ عَرَفْتهَا مِلْكَ فُلَانٍ وَوَرِثَهَا فُلَانٌ فَأَقِمْ بَيِّنَةً عَلَى تَمَلُّكِهِ مِنْهُ لَهُ ذَلِكَ وَتَنْدَفِعُ بَيِّنَتُهُ. وَفَرْعٌ ثَالِثٌ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِعَيْنٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهَا الْآنَ مِلْكُهُ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَاكْتُفِيَ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَفَّالُ فِيهَا قَوْلَيْنِ:
(أَحَدَهُمَا) أَنَّهَا كَالشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَمْسِ، وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ الْآنَ لَا يَلْزَمُ اسْتِصْحَابُهُ فِي الْمَاضِي إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا وَأُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُتَّهَبِ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا يَثْبُتُ قَبِيلُهَا وَلَا يَتَعَدَّى إلَى النِّتَاجِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ وَعَجَبٌ أَنْ يَنْزِلَ النِّتَاجُ فِي يَدِهِ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ أَكْثَرَ الْبَحْثَ وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجَوَابِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْكَى إلَّا فَقِيهًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ إنَّ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ كَأَنَّهُ ضَمِنَ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ وَأُخِذَ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِحُكْمِ الضَّمَانِ الَّذِي يُضَمِّنُهُ الْبَيْعَ، وَقِيلَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ حَتَّى تُصَرِّحَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا سَنَدًا إلَى مَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ يَتَعَدَّى إلَى النِّتَاجِ، وَقَدْ يُقَالُ لَوْ صَحَّ اسْتِصْحَابُ الْمَاضِي إلَى الْحَالِ لَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَمْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ أَمْسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَضُمَّ الشَّاهِدُ إلَيْهَا أَنَّهُ مِلْكُهُ الْآنَ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ مَحْكُومٌ بِهَا.
(الثَّانِي) أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا فَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ بِحَقٍّ لَهُ الْآنَ. وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا نَسْتَصْحِبُ مَا ثَبَتَ فِي وَقْتِهِ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ مَعَهَا لَا نَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا فَهَذِهِ لَا تُرَدُّ وَلَا نَحْكُمُ بِهَا وَحْدَهَا بَلْ يُضَافُ إلَيْهَا يَمِينُ الْمُدَّعِي وَنَحْكُمُ لَهُ لِأَنَّهَا بِذَلِكَ قَوَّتْ جَانِبَهُ عَلَى جَانِبِ ذِي الْيَدِ فَانْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute