وَلَمْ نَجْزِمْ بِالشَّهَادَةِ الْآنَ فَلَمْ نَحْكُمْ بِهَا.
وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قُلْنَاهُ إنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُسْتَنِدًا إلَيْهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ بَيِّنَةٌ مُعَارِضَةٌ لَهَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ وَلَا تُسْمَعُ، وَلَا يُقَالُ هُنَا إنَّ يَدَ الْيَتِيمِ مُرَجِّحَةٌ لِلْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَلَا مُنَازَعَةَ فِيهِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهَا. فَإِنْ قُلْت لَوْ وَقَعَ هَذَا التَّعَارُضُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْبَيْعِ. قُلْت: يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَالْحُكْمُ لِلشَّكِّ فِي الْقِيمَةِ وَقْتَهُ لِلتَّعَارُضِ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَآخَرَانِ أَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ، وَهَذَا مُسْتَنَدُهُ إيجَابُ الْمُحَقِّقِ وَتَرْكُ الزَّائِدِ الَّذِي وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ أَوْ يَحْلِفُ مَعَ الزَّائِدِ؟ وَجْهَانِ اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ الثَّانِيَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ الزَّائِدَيْنِ وَقَدْ يَقْتَضِي الْحُكْمُ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَلَا نَقُولُ ثَبَتَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْأَقَلَّ. وَلَوْ قُلْنَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْقِيمَةُ لَزِمَ جَوَازُ الْبَيْعِ بِهَا، وَالْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا وَلَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت لَوْ اعْتَقَدَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الَّذِي شَهِدَتْ بِالْأَقَلِّ هَلْ لَهُ اعْتِمَادُهُ. قُلْت: نَعَمْ إذَا لَمْ يَجِدْ رَاغِبًا بِأَزْيَدَ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ إنَّمَا نَجْعَلُهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الطِّفْلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَإِنْ قُلْت فَالْقَاضِي إذَا عَلِمَ ذَلِكَ هَلْ لَهُ اعْتِمَادُهُ فِي الْحُكْمِ بِهِ. قُلْت: لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ تَخْمِينِيٌّ فَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ. فَإِنْ قُلْت فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ دُونَ الْقِيمَةِ وَلَمْ نَجِدْ رَاغِبًا بِأَكْثَرَ، وَدَعَتْ حَاجَةُ الْيَتِيمِ إلَى الْبَيْعِ لِلْأَكْلِ مَثَلًا، وَلَمْ نَجِدْ مَنْ يُقْرَضُ مِنْهُ عَلَيْهِ. قُلْت لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ ذَلِكَ، وَخَفَّتْ الْحَاجَةُ الْجَوَازُ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَدْيُونِ إذَا طَالَبَ الْغَرِيمَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرِ أَنَّهُ لَا يُرْهَقُ إلَى بَيْعِهِ بِدُونِ الْقِيمَةِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءَ بِالْحَيْلُولَةِ وَعِظَمِ الضَّرَرِ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَثْبُتُ الْقِيمَةُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَكَيْفَ يَدَّعِي بِهَا، وَلَا إلْزَامَ؟
قُلْت لِلدَّعْوَى بِهَا طَرِيقٌ وَهِيَ إنْ كَانَ غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَيَدَّعِي بِقِيمَتِهَا لِلْحَيْلُولَةِ وَإِلَّا فَيَنْذُرُ شَخْصٌ التَّصَدُّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute