للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى فَقِيرٍ مُعَيَّنٍ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا مَثَلًا أَوْ عُشْرِ عُشْرِهَا ثُمَّ يَدَّعِي ذَلِكَ الْفَقِيرُ عَلَى النَّاذِرِ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا نَحْكُمُ أَنَّهُ عُشْرُ الْقِيمَةِ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ وَيُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقِيمَةَ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ فَالدَّعْوَى مُلْزِمَةٌ، وَالْبَيِّنَةُ مَسْمُوعَةٌ، وَلَا يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هَلْ لِلْحَاكِمِ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّذْرِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ وَهُنَا الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْمُطَالَبُ فَيَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي آخِرِهِ كَتَبَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. قَالَ وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ -: وَلَقَدْ بَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَأَفْتَى فِيمَنْ أَجَّرَ شَيْئًا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ بَعْدَ مَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْأَحْوَالُ وَطَرَأَتْ أَسْبَابٌ تُوجِبُ زِيَادَةَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يُصِبْ فِي شَهَادَتِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ تَقْوِيمَ الْمَنَافِعِ فِي مُدَّةٍ مُمْتَدَّةٍ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا اسْتَمَرَّتْ الْحَالُ الْمَوْجُودَةُ حَالَةَ التَّقْوِيمِ، أَمَّا إذَا لَمْ تَسْتَمِرَّ وَطَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَحْوَالٌ تَخْتَلِفُ بِهَا قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُقَوِّمَ لَهَا يُطَابِقُ تَقْوِيمُهُ الْمُقَوَّمَ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَتَقْوِيمِ السِّلَعِ الْحَاضِرَةِ بِمَالٍ. وَإِذَا ضَمَمْنَا مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأُجْرَةِ تَفْسَخُ الْعَقْدَ كَانَ قَاطِعًا بِاسْتِبْعَادِ مَنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ نَفَائِسِ النُّكَتِ.

قُلْت: وَهُوَ جَوَابٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَقُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَلَا يَنْقُضُ الشَّهَادَةَ، وَلَوْ تَمَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِشَاهِدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِقِيمَةِ عَيْنٍ أَنْ تُؤَجَّرَ أَصْلًا. وَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَكَلَامُهُ فِي الْمِنْهَاجِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ.

وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا ابْنُ الصَّلَاحِ لَيْسَتْ مَسْأَلَتُهُ وَلَا حُكْمُهَا حُكْمَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَمَّا الثَّانِي فَوَاضِحٌ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأُجْرَةِ لَا تَفْسَخُ الْعَقْدَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَتُهُ فَإِنَّ ظُهُورَ الطَّالِبِ بِالزِّيَادَةِ لَا يُوجِبُ تَبَيُّنَ خَطَأِ الشَّاهِدِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَسْنُدُ شَهَادَتَهُ إلَى حَالَةِ الشَّهَادَةِ وَمَا بَعْدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>