تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْوَقْفِ الْقَدِيمِ.
(وَالثَّانِي) زَوَالُ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ مِنْ لَفْظِ إسْجَالِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ بِمُقْتَضَى الْوَقْفِ الْقَدِيمِ فِي قَوْلِهِ الْوَقْفُ الصَّحِيحُ الشَّرْعِيُّ هَلْ هَذَا يَكُونُ مُتَمَسِّكًا بِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى الْحَاكِمِ فَيَكُونُ الْحَاكِمُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي حَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الثَّانِي وَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّهُ مِنْ الْمُوَارِدَيْنِ.
هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَجَوَازِ النَّقْضِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْمَالِكِيِّ نَقْضًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْأَظْهَرِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ صَحِيحٌ وَتَسْمِيَتُهُ أَيْضًا أَوْ لَيْسَ نَقْضًا يَرْجِعُ إلَى الْعِبَارَةِ وَإِلَّا فَهُوَ يُصَادِفُ الْمَحَلَّ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِ هَذَا الْمَالِكِيِّ. فَإِنْ قُلْت فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ.
قُلْت لَمْ نَحْكُمْ بِرُجُوعِهَا إلَى صَاحِبٍ بِذَلِكَ السَّبَبِ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُهُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَلْ بِسَبَبِ ظَنٍّ أَنَّهُ مِنْ مَظَانِّ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ أَصْحَابِ الثَّانِي فَحُكْمُ الْمَالِكِيّ بِالْأَوَّلِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِبَيِّنَةٍ مُعَارَضَةٍ بِبَيِّنَةٍ رَاجِحَةٍ عَلَيْهَا فَحَكَمَ الْحَاكِمُ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ النَّقْضِ بِالْيَدِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ وَقَضَى لَا بُدَّ فَلَوْ نَقَضْنَا الْحُكْمَ نَقَضْنَاهُ مَعَ التَّعَارُضِ، وَعَدَمُ التَّعْرِيضِ مُسْتَنَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ مُسَوَّدَةً وَنَقَلْتهَا الْآنَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ فِيهَا وَأَظُنُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ فَلْتُتَأَمَّلْ. وَكَتَبَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
(الْكِيلَانِيَّةُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَقَّهَنَا فِي الدِّينِ وَعَلَّمَنَا التَّأْوِيلَ وَهَدَانَا بِفَضْلِهِ إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَحَفِظَنَا بِلُطْفِهِ أَنْ نَزِيغَ عَنْهُ أَوْ نَمِيلَ، أَحْمَدُهُ حَمْدَ مُعْتَرَفٍ بِتَرَادُفِ نِعَمِهِ وَتَجَدُّدِهَا فِي كُلِّ بُكْرَةٍ وَأَصِيلٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَّقِي بِهَا مِنْ عَذَابٍ وَبِيلٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي هُوَ وَسِيلَتُنَا إلَى اللَّهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute