نَفْسِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ حُكْمِهِ فَفِيهِ فَائِدَةٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَقْضَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ نَقْضَ الْأَوَّلِ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ قُبِلَ مِنْهُ وَلَا يُفِيدُ إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِهِ الرُّجُوعُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ فِي الْوَقْفِ الثَّانِي، وَالْحَاكِمُ بِالْوَقْفِ الثَّانِي سَابِقٌ عَلَى هَذَا الْحَاكِمِ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ الَّتِي قَامَتْ عِنْدَ الثَّانِي وَلَوْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الضَّيْعَةُ حِينَ حَكَمَ الْأَوَّلُ بِالْوَقْفِ الثَّانِي فِي يَدِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ الْأَوَّلِ وَتُرَدُّ إلَى مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ تَتَخَرَّجُ
عَلَى خِلَافٍ فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَهِيَ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَادِلَةً وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَأَزَالَ الْقَاضِي يَدَهُ، وَسَلَّمَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إلَى الْمُدَّعِي فَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَالَ حَضَرَتْ بَيِّنَتِي فَهَلْ يَسْمَعُهَا؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَقَالَ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّا نَقَضْنَا يَدَهُ فَلَوْ قَبِلْنَا بَيِّنَتَهُ لَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ الْآنَ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَنَقْضُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ الْآنَ. فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَلَا أَثَرَ لِحُكْمِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُ الْأَوَّلِ الَّذِي حَكَمَ بِالْوَقْفِ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُنْقَضَ. وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي قَضِيَّةٍ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَرَجَّحَ الْحَاكِمُ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، ثُمَّ نَازَعَهُ آخَرُ يَدَّعِي وَقْفَهَا أَيْضًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ قَدْ قُضِيَ بِصِحَّتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ وَتَرْجِيحُهُ عَلَى الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ الْأَوَّلِ هُنَا أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَ الثَّانِي بِشَرْطَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَاكِمُ مِنْ مَذْهَبِهِ اسْتِوَاءُ الْبَيِّنَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُؤَرَّخَةِ فَإِنْ كَانَ يُرَجِّحُ الْمُؤَرَّخَةَ عَلَى الْمُطْلَقَةِ تَعَيَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute