لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حَاصِلَةٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالرَّقَبَةِ، وَالْحَيْلُولَةُ لَا تَجُوزُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الشَّيْءُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ وَإِنْ جَوَّزَ بَيْعَ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْبُسْتَانِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ النُّقْصَانِ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ.
فَفِي هَذَا النَّقْلِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ بَيْعَ الشَّجَرَةِ الْمُوصَى بِثَمَرَتِهَا سَنَةً مُخَرَّجٌ عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ عَيْنًا مُسْتَثْنَاةً شَرْعًا مَعَ أَنَّهَا إذَا اُسْتُثْنِيَتْ لَفْظًا لَا يَصِحُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ كُلَّ مَنْفَعَةِ الشَّجَرِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُوصِي بِنِتَاجِهِ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الشَّرْعِيَّ فِي ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اللَّفْظِيَّ فِي ذَلِكَ قَادِحٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلَةً لَا ثَمَرَةَ عَلَيْهَا وَاسْتَثْنَى مَا يُحْدِثُ مِنْ ثَمَرَتِهَا بَاطِلٌ وَعَلَى قِيَاسِهِ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا يَحْدُثُ مِنْ حَمْلِهَا فَقَدْ ظَهَرَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالثِّمَارِ وَالْحَمْلِ الْمَعْدُومِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَمَسْأَلَةُ الْمُسَاقَاةِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.
فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَسْتَمِرُّ لَكُمْ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فِي الْأَعْيَانِ وَقَدْ سَوُّوا بَيْنَهُمَا فِي الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ فَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً حَامِلَةً بِحُرٍّ بَطَلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَيْضًا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا الْمَوْجُودِ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ فَكَالْحَامِلِ بِحُرٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَقَدْ سَوُّوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ وَالشَّرْعِيِّ صَرِيحًا.
قُلْت: إنَّمَا سَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرْعِيِّ وَاللَّفْظِيِّ فِي الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ أَوْ مُنَزِّلٍ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مَجْهُولٍ قَدْرًا وَصِفَةً لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ فِي الْبَيْعِ فَأَشْبَهَ اسْتِثْنَاءَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَحْدَهُ، وَكَذَا قُلْنَا فِي بَيْعِ الشَّاةِ إلَّا يَدَهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً لَمْ يَصِحَّ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَبَعْدَ الذَّكَاةِ يَصِحُّ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَعْلُومًا كَالْأَرْضِ لَا مَكَانَ التَّسْلِيمِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَأْخَذَ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهِ وَالْحَامِلُ بِحُرٍّ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا بِدُونِهِ وَلَيْسَ لِتَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ غَايَةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَطُولُ وَتَقْصُرُ مَعَ مَا فِي جَهَالَةِ الْحَمْلِ الْمُسْتَثْنَى وَعَدَمِ الْعِلْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute