بِقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَجَرَّ ذَلِكَ غَرَرًا عَظِيمًا فَلَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ اسْتَثْنَى لَفْظًا أَوْ شَرْعًا وَالثَّمَرَةُ بَعِيدَةٌ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ وَيَصِحُّ إفْرَادُهَا وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُ الشَّجَرَةِ بِدُونِهَا فَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لَفْظًا أَوْ شَرْعًا وَالثَّمَرَةُ الْمَعْدُومَةُ إذَا اسْتَثْنَاهَا لَفْظًا خَالَفَ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ مِنْ حُدُوثِهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُشْتَرَى وَلَا يَأْتِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ نُقَدِّرُ كَأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمُشْتَرِي وَعَادَتْ إلَيْهِ بِإِجَارَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْرِيرُ ذَلِكَ هُنَا، وَإِذَا اسْتَثْنَاهَا شَرْعًا فَقَدْ أَحَلَّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّهُ وَمَلَّكَهُ جَمِيعَ مَا كَانَ يَمْلِكُ، وَالْمَنَافِعُ مَعْلُومَةٌ وَيَصِحُّ إفْرَادُهَا لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَفِي الِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ أَبْطَلْنَا؛ لِأَنَّهُ كَشَرْطِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ وَوُجُوبُ تَسْلِيمِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَشَرْطُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مُفْسِدٌ وَفِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَلَكَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ مَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَرَفَعَ يَدَهُ الْكَائِنَةَ عَلَى الْعَيْنِ وَأَحَلَّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّهُ وَصَارَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ صَحَّ، وَالْحَمْلُ الْمَعْدُومُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ مَا يُقْدَحُ اسْتِثْنَاؤُهُ اللَّفْظِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ.
فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ لَا يَضُرُّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَلَوْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فِيهَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَتِهَا شَرْعًا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: ثُبُوتُ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا وَالْمَزْرُوعَةُ لَا يَدٌ حَائِلَةٌ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِثْنَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَإِحْلَالِهِ مَحَلَّهُ وَيَصِحُّ تَسْلِيمُهَا مَزْرُوعَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ إذَا اسْتَثْنَى غِرَاسَهَا وَلَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ، وَيَدْخُلُ الْغَرْسُ الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَفْرِيغُ الْأَرْضِ عَنْ الشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute