للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ تَرَكَ الشَّاهِدُ ذِكْرَ السَّبَبِ وَشَهِدَ بِالْحَقِّ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّبَبِ مَسْمُوعَةٌ وَالدَّعْوَى لَا تَكُونُ بِالسَّبَبِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ حِكَايَةِ الْحَالِ وَالِاسْتِحْقَاقُ الْمُلْزَمُ إنَّمَا هُوَ لِلْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَالْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ الَّذِي سَمِعَهُ الشُّهُودُ مِنْ الْمُقِرِّ.

وَلَوْ اشْتَرَطْنَا مُطَابَقَةَ الشَّهَادَةِ لِلدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ يَنْبَغِي إذَا ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ مَبْلَغٍ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا عَلَى إقْرَارِ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ بَلْ الشَّهَادَةُ إنَّمَا هِيَ بِالْأَسْبَابِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ إلَى الْحُكَّامِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَاعْتِرَافُ الْمُدَّعِي بِقَبْضِ مَا قَبَضَ مِنْهُ وَحُكِمَ لَهُ بِالْبَاقِي وَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا شَهِدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِفًا وَكَانَ الشُّهُودُ يَعْلَمُونَ الْقَبْضَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْجُمْلَةِ أَنْ يَقُولُوا: قَبَضَ مِنْهَا قَبْضًا وَلَا يُطْلِقُوا الشَّهَادَةَ لِئَلَّا يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْجَمِيعِ.

وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بَلْ تَنْبِيهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِجُمْلَةِ مَا شَهِدُوا بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي مَوَاضِعَ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ مُطْلَقًا وَكَانَ يَعْرِفُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا يَقْتَضِي فَسَادَ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى نَقْلِ لَفْظِ الْمُقِرِّ أَوْ الْعَاقِدِ بَلْ يُفَصِّلُ مَا عَلِمَهُ وَيَشْرَحُهُ.

فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ الْغَرِيمَ عَلَى الْقَبْضِ لِيَسْأَلَهُ الشَّهَادَةَ بِهِ وَيَحْتَرِزَ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الدَّعْوَى.

قُلْنَا: قَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الشَّاهِدِ مَعَ إخْبَارِ الْقَاضِي بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّاهِدَانِ الْقَبْضَ جَازَ لَهُمَا الشَّهَادَةُ بِالْجُمْلَةِ، وَإِنْ عَرَفَا قَبْضَ الْجَمِيعِ لَمْ تَجُزْ لَهُمَا الشَّهَادَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ شَهَادَةً بِغَيْرِ دَعْوَى وَبِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَإِنْ صَدَرَتْ دَعْوَى وَسُؤَالٌ فَهُمَا يَعْرِفَانِ كَذِبَهَا فَلَا يَشْهَدَانِ بِمَا يُعِينُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكُونَانِ عَدُوَّيْنِ لِلْمُدَّعِي فَلَوْ شَهِدَا لَهُ بِالْإِقْرَارِ وَأَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ لَمْ يُقْبَلْ فَالْوَجْهُ الْكَشْفُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا بِقَبْضِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ الْمُنْتَقَى وَسَأَلَهُمَا الشَّهَادَةَ بِالْجُمْلَةِ وَكَانَا عَدُوَّيْنِ لِلْمُدَّعِي بِحَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ وَلَا شَاهِدَ غَيْرَهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ حَذَرًا مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى أَخْذِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>