للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَلْ يُسَوَّغُ لَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّهَادَةُ بِالْبَعْضِ أَوْ يَمْتَنِعَا حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ ثُمَّ يَشْهَدَانِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى يَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ.

وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِبَعْضِ الْحَقِّ فَسَتَأْتِي، فَإِنْ قُلْت مَا تَقُولُ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ؟ .

قُلْت جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ شَهِدَ بِأَلْفَيْنِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ بِثُبُوتِهِمَا فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِبَعْضِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى سَبَبٍ يَحْكِيه عَنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا هِيَ بِحَقٍّ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.

(الثَّانِي) أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى أَلْفًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا بَعْضُ الْأَلْفَيْنِ الْمَشْهُودِ بِهَا فَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا آخَرَ.

فَإِنْ قُلْت: مَا تَقُولُ فِيمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ؟ قُلْت: هُوَ مُشْكِلٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَقْصِيرٌ مِنْهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَلَعَلَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ بِغَيْرِهَا ثُمَّ كَلَامُهُ قَبْلَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ، وَيُؤَيِّدُ أَحَدُ كَلَامَيْهِ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرَّمْلِيِّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُمَا.

فَإِنْ قُلْت: فَكَلَامُ الْإِمَامِ.

قُلْت: لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ أَيْضًا فَهُوَ مِثْلُ كَلَامِ صَاحِبِ الْإِشْرَافِ وَجَوَابُهُ جَوَابُهُ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَيَّدْت جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِالْكُلِّ فَهُوَ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَعْضِ الْبَاقِي مِنْهُ.

قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَفْظَ الْمُقِرِّ وَلَا مَعْنَاهُ بَلْ لَازِمُهُ وَمُتَضَمِّنُهُ، وَالشَّاهِدُ قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَشْهُودِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُلَ مَدْلُولَ كَلَامِ الْمُقِرِّ مُطَابِقَةً بِلَفْظِهِ أَوْ مَعْنَاهُ.

وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالشَّهَادَةُ بِلَوَازِمِهِ فَلَا لَا سِيَّمَا إذَا أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يُوهِمُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا.

نَعَمْ إنْ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةً مِنْ جُمْلَةِ أَلْفٍ وَعَشَرَةٍ فَهَذَا قَرِيبٌ لَا يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ، وَالْأَوْلَى بِالشَّاهِدِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَطْعِيًّا فَقَدْ يَأْتِي فِي مَكَان آخَرَ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَضْمُونِ كَلَامِ الْمُقِرِّ وَلَيْسَ مَضْمُونَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ الشُّهُودِ عُلَمَاءَ فَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَتَجَاوَزُ كَلَامَ الْمُقِرِّ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا رِيبَةَ فِيهِ.

وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ أَنْ يَدَّعِيَ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَلَا يُضِيفُهَا إلَى مَسْطُورٍ حَاضِرٍ وَلَا إلَى دَيْنٍ مُعَيَّنٍ وَيَسْأَلُ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا لَهُ وَكَانَا قَدْ سَمِعَا الْإِقْرَارَ لَهُ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا لَهُ بِشَيْءٍ لِاحْتِمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>