إنَّ الَّذِي ادَّعَى بِهِ غَيْرَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ وَعَشَرَةٍ جَاءَتْ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَأَلَهُمَا لَهُ الشَّهَادَةَ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ وَعَشَرَةٍ جَاءَ الْكَلَامُ السَّابِقُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. انْتَهَى
(فَصْلٌ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الذُّنُوبِ مَطْلُوبٌ وَلَا مَحْبُوبٌ وَلَا مَرْغُوبٌ فِيهِ وَلَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا مَدْلُولُهُ الرَّبْطُ بَيْنَ " لَوْ " وَجَوَابِهَا وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ مِنْ مَجِيءِ اللَّهِ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُذْنِبَ الْمَوْجُودُونَ.
فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تُعَلَّلُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْنَا: تُعَلَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمَجِيءُ بِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مُرَادًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ الصِّفَةِ فَالْإِرَادَةُ غَيْرُ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ مِنْ الْإِرَادَةِ فَثَلَاثَتُهَا غَيْرُ الطَّلَبِ وَالتَّقَرُّبُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَطْلُوبِ وَلَيْسَ كُلُّ مُرَادٍ وَمَحْبُوبٍ وَمَرَضِيٍّ بِهِ مَطْلُوبًا، أَمَّا إذَا مَنَعْنَا التَّعْلِيلَ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا إذَا عَلَّلْنَا فَإِنَّا نُعَلِّلُ الْإِرَادَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا فِي غَيْرِ الْمَطْلُوبِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْخَيْرِ إمَّا مِنْ ظُهُورِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَكَرْمِهِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ وَرَدَ كُنْت كَنْزًا لَا أُعْرَفُ فَأَحْبَبْت أَنْ أُعْرَفَ فَبِالْحَقِّ عَرَفْنَا قُدْرَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ وَفَضْلَهُ وَكَرْمَهُ وَأَمَّا لِفَاعِلِهَا أَعْنِي فَاعِلَ الْمُرَادِ الْمَرَضِيِّ الْمَحْبُوبِ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِ فَاعِلِهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الذَّنْبِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ لِفَاعِلِهِ انْكِسَارٌ وَصَلَاحُ قَلْبٍ لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَلِغَيْرِ فَاعِلِهِ بِأَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ كَمَا حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ قَصَصِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخِلَافِ إرَادَةِ الطَّاعَةِ وَمَحَبَّتِهَا وَالرِّضَا بِهَا فَإِنَّهَا لِصِفَتِهَا وَالرَّغْبَةِ فِيهَا نَفْسِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ لِفَاعِلِيهَا وَلِغَيْرِهِ، وَالتَّقَرُّبُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَطْلُوبِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي مَطْلُوبًا كَبُرَ أَوْ صَغُرَ وَدَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ إنَّمَا هِيَ لِلتَّقْوَى وَالطَّاعَةِ.
قَالَ نُوحٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: ١٠٨] ، وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَغَيْرُهُ، وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالطَّاعَةُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ كُلُّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute