للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.


أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك (أصحاب أحمد) وجماعة من أصحاب (الشافعي ومالك) والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير كما قال الإمام يحيى والمهدي في الغيث لا يصح، لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك، والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظن (ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا) القباب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك كما سيأتي، وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها مفاسد يبكي لها الإسلام (منها) اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف، لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فياعلماء الدين ويا ملكوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا
لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد أهـ

"وفيما أوردنا في الزوائد" دليل على مشروعية ش الماء على القبر وإليه ذهب الإمامان (أبو حنيفة والشافعي) رحمهما الله تعالى والقاسمية والحسن وأبو جعفر (وفيها أيضا) جواز جعل علامة على قبر الميت كنصب حجر أو نحوه لحديث عبد المطلب بن عبدالله بن حنطب المذكور في الزوائد (وبه قالت الشافعية) قال النووي رحمه الله السنة أن يجعل عند رأسه علامة شاخصة من حجر أو خشبة أو غيرهما، هكذا قاله الشافعي وصاحب المهذب والأصحاب أهـ. قال الإمام يحيى فأما نصب حجرين على المرأة، وواحد على الرجل فبدعة، قال في البحر قلت لا بأس به لقصد التمييز لنصبه على قبر ابن مظعون أهـ وذهب الجمهور إلى كراهة ذلك إلا إذا خيف ذهاب معالم القبر فيجرز وضع ذلك للتمييز، أما إذا قصد به التفاخر والمباهاة فهو حرام، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>