وقد رد عليهم القائلون بالنسخ أدلة من القرآن والسنة بل ومن حيث ما استدل النافون للنسخ فألجمتهم وأسكتت أفواههم، بل وردوا عليهم أيضا بالأدلة العقلية. (١)
النتيجة:
أن ماذهب إليه السمعاني ومن وافقه من قبله ومن بعده هو عين الصواب وذلك لموافقته لنصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وإجماع علماء الأمة من المفسرين، والأصوليين، وغيرهم على القول بجواز ووقوع النسخ، والله أعلم.
(١) قال المثبتون للنسخ: أولاً: في تفسير قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.قال بن جرير في تفسير هذه الآية: " أي ما ننقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره، وذلك بأن يكون الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا ".فبين الطبري رحمه الله أن المقصود هنا من لفظ (آية): هو الآية القرآنية وليس المعجزة. ثانياً: أما من حيث دعواهم كون أن النسخ جاء على خلاف الأصل وما جاء خلاف الأصل لا يثبت إلا بدليل ففي سبب النزول الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما والذي قال فيه: " كان إذا نزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية فيها لين تقول قريش: والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمرهم بأمر وغداً ينهاهم عنه؟ ما هو إلا مفتر ". دلالة على رفع الأصل وإثبات للبدل. ثالثاً: ومن الردود على من نفى وجود النسخ في القرآن وجود بعض الأدلة النقلية التي تدل على تغيير بعض أحكام الشريعة من تحويل حلال إلى حرام أو من حرام إلى حلال كقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا}. ووجه الدلالة منها أنها تفيد تحريم ما أحل الله من قبل من الأحكام الجزئية العملية، وما ذلك إلا نسخ ورفع لحكم الحلال فيكون حراماً. وكلمة " أحلت لهم " يفهم منها أن الحكم الأول كان حكماً شرعياً، حيث ذكرت الآية أن بعض الطيبات أحلها الله لهم وليس بالبراءة الأصلية والإباحة. رابعاً: ومن الأدلة القائمة على جواز النسخ ووقوعه في القرآن الكريم، وجود آيات في كتاب الله تعالى نسخت أحكامها وبقى لفظها وهي عديدة، مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} فإن حكمها منسوخ بالآية التي بعدها، وهو قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} وغير ذلك من الأدلة. انظر البرهان في علوم القرآن (٢/ ٣٠)، الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٥٥)، ومناهل العرفان (٢/ ١٩٣)، والنسخ في القرآن الكريم لمصطفى مسلم (١/ ٥٢)، وفتح المنان في نسخ القرآن ص ٨٥.