للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويكون تابعا لها. فأما قياس يعارضها، ويلزم من اعتباره إلغاء النصوص، فهذا القياس من أشنع الأقيسة ". (١)

وقد ذكر جمع من علماء التفسير، وعلى رأسهم إمام المفسرين، ابن جرير الطبري، بأنه لو سلم أن قياس إبليس لا يعارض نصا أو أمرا من الله. فإنه باطل أيضا، لأن ليس للنار فضلا على الطين من أي وجه من الوجوه، قال رحمه الله: " ظن الخبيث أن النار خير من الطين ولم يعلم أن الفضل لمن جعل الله له الفضل، وقد فضل الله الطين على النار من وجوه منها: أن من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الداعي لآدم بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع فأورثه الاجتباء والتوبة والهداية، ومن جوهر النار الخفة والطيش والحدة والارتفاع وهو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار، فأورثه اللعنة والشقاوة، ولأن الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفرقها ولأن التراب سبب الحياة، فإن حياة الأشجار والنبات به، والنار سبب الهلاك ". (٢)

من بعد ذكر هذه الأوجه والتي تصب على فساد القياس وخطئه، يتبين صحة استنباط السمعاني والاحتجاج بقوله، والله أعلم.


(١) تفسير السعدي ص ٢٨٤.
(٢) انظر جامع البيان (١٢/ ٣٢٧). وممن أشار إلى هذا أيضا: ابن عطية في المحرر الوجيز (٣/ ١٢)، والبغوي في معالم التنزيل (٣/ ٢١٧)، والقرطبي في جامعه (٧/ ١٧١)، والغرناطي في ملاك التأويل (١/ ٢٤٩)، والخازن في لباب التأويل (٢/ ١٨٥)، والنسفي في مدارك التنزيل (١/ ٣٦٢)، والشوكاني في فتح القدير (٣/ ١٨)، وغيرهم. وقد ذكر ابن القيم خمسة عشر وجها في تفضيل مادة التراب على مادة النار، للاستزادة انظر: الصواعق المرسلة (٣/ ٩٩٩) وبدائع الفوائد (٤/ ٩٤٩).

<<  <   >  >>