للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحجّة المعتزلة هؤلاء أن الله تعالى قد مكَّن الإنسان من الاستطاعة، وهذه الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرته عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل، وإلا لكان المأمور بالإيمان غير قادرٍ عليه، فيلزم تكليف ما لا يطاق. (١)

ولا شك أن ما استنبطه السمعاني من هذه الآية من حيث طلب الاستعانة والتوفيق قبل ومع الفعل هو ما كان عليه مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك لأن أهل السنة والجماعة يلزمون المخالفين بجعل الاستعانة مع الفعل لأن القادر إما أن يصير مأموراً بالفعل قبل حصول الداعي إلى الفعل، أو بعد حصولِه، أما قبل حصول الداعي فمحال، لأن قبل حصول الداعي يمتنع حصول الفعل، فيكون التكليف به تكليفاً بما لا يُطاق، وأما بعد حصولِ الداعي، فالفعل يصيرُ واجب الحصول، فلا يكون في التكليف به فائدةٌ، وإذا كانت الاستطاعة منفيةً في الحالتين، وجب ألا يتوجه التكليف. (٢)

كما أثبت أهل السنة والجماعة أن للعبد استطاعة بمعنى الوسع والقدرة وسلامة الآلات، وهذه قد تتقدم على الفعل أو تقارنه ولا يجب بها الفعل لكن خطاب الشرع مرتبط بها، وأما الاستطاعة التي يجب بها الفعل وهي بمعنى التوفيق فهذه بإرادة الله تعالى وحده وهي التي تقارن الفعل. (٣)

وبهذا يتبين صحة استنباط السمعاني مع سلامة معتقده في تأصيل أصول أهل السنة والجماعة، وإبطال المعتقدات الفاسدة عند الفرق والطوائف الضالة.


(١) انظر: الفرق بين الفرق (١/ ١١٦)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ٢٠)، والمواقف للإيجي (٣/ ٧٠١)، وذهبت طائفة الأشاعرة إلى أن الاستطاعة مع الفعل، لا يجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه، وما يفعله الإنسان فهو كسب له. وقد أبطل شيخ الإسلام معتقدهم هذا بالردود النقلية والعقلية. انظر: اعتقاد أهل السنة لهبة الله اللالكائي (١/ ٥٤)، وانظر: النبوات لابن تيمية (٥/ ٤٠).
(٢) انظر: الانتصار في الرد على القدرية المعتزلة (١٨/ ٣٨)، وغرائب القرآن (٢/ ٩١)، ولباب التأويل (١/ ٢٠).
(٣) انظر: اعتقاد أهل السنة (١/ ٥٤).

<<  <   >  >>