(ويجريان في دعوى غصب وسرقة وإتلاف) ونحوها؛ كما إذا ضل ماله .. فيدعي على جمع حاضرين أن أحدهم أخذه؛ إذ السبب ليس لصاحب الحق فيه اختيار، والمباشر له يقصد الكتمان، فأشبه الدم.
وضابط محل الخلاف: أن يكون سبب الدعوى ينفرد به المدعى عليه، فيجهل تعيينه، بخلاف دعوى القرض والبيع وسائر المعاملات؛ لأنها تنشأ باختيار المتعاقدين، وشأنها أن يضبط كل واحد منهما صاحبه.
(وإنما تسمع) الدعوى بالدم وغيره (من مكلف) فلا تسمع من صبي ومجنون؛ لإلغاء عبارتهما (ملتزم) فلا تسمع من حربي؛ لأنه لا يستحق قصاصًا ولا غيره (على مثله) فلا تسمع الدعوى على صبي ولا مجنون ولا حربي.
ودخل في المكلف: المحجور عليه بالسفه والفلس والرق؛ لأن المقصود من الدعوى الإقرار، ولو وجد .. لترتب عليه مقتضاه، فتسمع الدعوى على العبد فيما يقبل إقراره به، وكذا على السفيه بحد القذف والقصاص.
(ولو ادعى انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر) أنه شريكه أو منفرد ( .. لم تسمع الثانية) لما فيه من تكذيب الأولى ومناقضتها.
نعم؛ لو صدقه الثاني .. ووخذ بها على الأصحِّ؛ لأن الحق لا يعدوهما، ويحتمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية.
وقد يفهم كلامه: بقاء الدعوى الأولى بحالها، وليس كذلك، فلو لم يقسم على الأولى، ولم يمض حكم .. لم يمكن من العود إليه.
(أو عمدًا، ووصفه بغيره) أي: بالخطأ أو شبه العمد ( .. لم يبطل أصل الدعوى في الأظهر) لأنه قد يظن الخطأ عمدًا، وحينئذ يعتمد تفسيره، ويمضي حكمه، وقال ابن داوود في "شرح المختصر": لا بد من تجديد الدعوى بالخطأ، والثاني: تبطل؛ لأن في دعوى العمد اعترافًا بأنه ليس بمخطئ، فلا يقبل رجوعه عنه.