للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمثاله، فلقد بلغ من الزهد والورع والتقوى الغاية القصوى، إلى جانب رسوخ قدمه في العلم، وعلوِّ كعبه في التحقيق، ومع هذا وذاك فإنه رضي الله عنه كان آية في التواضع وحسن الخلق، ولعل الحديث في هذا الشأن يحتاج إلى مؤلَّف ضخم ليفيَ بالغرض، ولله در الإمام الذهبي رحمه الله تعالى حيث قال: (وذِكْرُ مناقبه يطول) (١).

قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (كان رفيقًا بي، شفيقًا عليَّ، لا يمكِّن أحدًا من خدمته غيري، على جهد مني في طلب ذلك منه، مع مراقبته لي في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كل شيء حتى الخطرات، وأعجز عن حصر ذلك).

فإذا كان هذا الأدب الجمُّ من الإمام مع تلميذه .. فماذا كانت حاله مع أشياخه ومعلميه؟ !

قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى أيضًا: عند ذكره للشيخ أبي حفص، عمر بن أسعد الربعي: (وكان شيخنا - أي: الإمام النووي - كثير الأدب معه، حتى كنا في الحلقة بين يديه، فقام منها، وملأ إبريقًا، وحمله بين يديه إلى الطهارة رضي الله عنهما، ورضي عنّا بهم) (٢).

وكان إذا ذكر الصالحين .. ذكرهم بتعظيم وتوقير، وذكر مناقبهم وكراماتهم.

هذا عن أدبه وتواضعه، أما الحديث عن زهده رضي الله عنه .. فهو الذي لا يكاد يصدِّقه أحد لولا أن الذين نقلوه هم من أصدق الناس لهجة، وأكثرهم تحرِّيًا وتثبتًا، فمن ذا الذي يقوى على ما صنعه الإمام الذي كان لا يأكل من فاكهة دمشق، وهي جنة الله في الأرض؟ !

كان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلَّا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء المبرَّد، وكان لا يأكل فاكهة دمشق.

قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (فسألته عن ذلك؟ فقال: دمشق كثيرة الأوقاف وأملاكِ مَنْ هو تحت الحجْر شرعًا، والتصرفُ لهم لا يجوز إلَّا على وجه


(١) تاريخ الإسلام (٥٠/ ٢٥٦).
(٢) تحفة الطالبين (ص ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>