للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي قَوْلٍ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الإِفْرَادِ. وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ بَشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَاضِرُوهُ: مَنْ دُونَ مَرْحَلَتينِ مِنْ مَكَّةَ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: مِنَ الْحَرَمِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

(وفي قول: التمتع أفضل من الإفراد) لأن فيه مبادرةً إلى العمرة، بخلاف الإفراد؛ فإن فيه تأخيرًا لفعلها، فربما مات قبل الفعل، وقد روى الشيخان عن ابن عمر: أنه عليه السلام كان متمتعًا (١)، ورواه أيضًا مسلم عن عائشة (٢).

وفي قول ثالث: أن القران أفضلُ من الإفراد، واختاره المزني وابن المنذر وأبو إسحاق (٣).

(وعلى المتمتع دم) لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} الآية، التقدير: تمتع بإحلال من العمرة، وهو مجمع عليه، والواجب: شاة تجزئ في الأضحية، ويقوم مقامها سُبْعُ بَدَنة أو سُبْعُ بقرة، (بشرط: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام) لقوله تعالى: {ذَلِكَ} أي: ما ذكر؛ من الهدي والصوم: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وقوله: {لِمَنْ}: معناه: على من، والمعنى فيه: أن الحاضر بمكة ميقاتُه للحج نفسُ مكة، فلم يربح ميقاتًا، بخلاف غيره.

(وحاضروه: مَنْ دون مرحلتين) لأن من قرُب من شيء كان حاضرَه، قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}، وهي: أيلةُ، وليست في البحر، بل قريبة منه، (من مكة) لأن المسجد الحرامَ المذكور في الآية لم تُرَد حقيقتُه بالاتفاق، بل: الحرمُ عند بعضهم، ومكةُ عند آخرين، فلا بدّ من حمله على المجاز، ومكة أقلّ تجوزًا من حمله على الحرم.

(قلت: الأصح: مِنَ الحرم، والله أعلم) لأن كلّ موضع ذَكَرَ اللهُ فيه المسجدَ .. فالمراد به: الحرم، إلا قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فأريد به: الكعبة؛ كما ذكره الماوردي وغيره (٤)، وإنما خالف في ذلك طوافَ الوداع؛ لأنه


(١) صحيح البخاري (١٦٩١)، صحيح مسلم (١٢٢٧).
(٢) صحيح مسلم (١٢٢٨).
(٣) انظر "المجموع" (٧/ ١٢١).
(٤) الحاوي الكبير (٢/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>