للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن عبد الحكم. وقال ابن حارث: لما كملت "الأسدية" أخذها أشهب وأقامها لنفسه واحتج لبعضها، فجاء كتاباً شريفاً (١)، فكان أشهب بعمله هذا قد مهد الطريق لسحنون.

وربما يقال: ما الذي جعل المصريين يقبلون على كتاب أسد وابن القاسم موجود بينهم وهو أقرب إليهم؟ وكيف يمكن أن يفهم نشر "الأسدية" في مصر ومنع سحنون منها بالقيروان؟

للإجابة عن السؤال الأول يمكن أن نقول: إن الذي ينقص أهل مصر هو هذا الكم من الأسئلة الذي طرحه أسد على ابن القاسم مما تعلمه من العراق، وكان أسد بن الفرات هو الذي جاء بهذه الأسئلة الافتراضية, لأن مذهب مالك لم يكن يعرف هذا الفقه الافتراضي، بل كان يعرف الفقه الواقعي، حتى أدخل عليه أسد هذا المنهج، وعليه فإنه إذا كان المذهب الحنفي قد تأثر بالمذهب المالكي عن طريق محمَّد بن الحسن الشيباني الذي أدخل "الموطأ" إلى العراق، فإن المذهب المالكي قد تأثر بالمذهب الحنفي عن طريق أسد بن الفرات الذي أدخل هذه الأسئلة الافتراضية (٢).

أما رفضه لمعارضة كتابه بكتاب سحنون فإنه موقف وجيه، ليس فيه ما يدعو إلى الاستغراب والدعوة عليه؛ لأنه إذا كان هذا قد وقع في بداية الأمر قبل أن يهذب سحنون مدونته ويرتبها، فإن هذه المعارضة إذا وقعت ستكون بسيطة، وقليلة الفائدة, لأن الكتاب ما زال في حاجة إلى نظر جديد في جميع أحكامه، وهذه هي النظرة التي نظر بها سحنون إلى الكتاب. وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن يعارض أسد كتابه بكتاب ما زال في طور الإصلاح والتغيير.

وقد اشتغل سحنون بكتابه هذا منذ أن أخذه عن ابن القاسم إلى أن توفي، وترك مسائل ما زالت تحتاج إلى المراجعة، وقد أسقط منه بعض


(١) المدارك: ٣/ ٢٦٥.
(٢) هذه الأسئلة كتبها أسد عن محمَّد بن الحسن الشيباني. المدارك: ٣/ ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>