النصوص، وقد رجع في بعض المسائل عن قول ابن القاسم وأخذ برأي أشهب، ولم يعنف عليه أحد، ولم يدع عليه أحد، فكيف يقال: إن ابن القاسم دعا على الأسدية. والأغرب من هذا أن الذين رووا هذه القصة لم يتوقفوا عند حكاية ما وقع فقط، بل تعدوه إلى مسائل غيبية الله أعلم بها، وبنوا حكمهم عليها فقالوا: بأن هذا الدعاء كان سبباً في انقراض "الأسدية"، أو في رفضها، وهم يقصدون أن الله استجاب دعاءه فانقرضت، أو أصبحت مرفوضة عند المالكية. ويمكن أن يقال لهم: من الذي دعا على الكتب الكثيرة الأخرى التي انقرضت ولم تصل إلينا، ككتب ابن شعبان، وأشهب، وأصبغ، وابن المواز، وغيرهم، ومن دعا على الكثير من الكتب التي رفضها الناس واستبدلوا بها غيرها؟ هذا إذا قلنا إنها انقرضت واندثرت، أما وإنها كانت موجودة إلى عهد القاضي عياض - وقد رجع إلى الكثير من نصوصها ويقول عند مقابلة نسخ "المدونة": وهو ما في "الأسدية" - فهذا لا يصح. بل الأكثر من هذا أنه لا يبعد أن تكون بعض نسخها في بعض المكتبات العالمية، فهذا الدكتور محمَّد إبراهيم أحمد علي يقول: توجد نسخة مكتوبة على الرق من "الأسدية" في دار الكتب الوطنية بتونس (١).
وعند الرجوع إلى النظر فيما قيل عن "الأسدية" والمدونة يتبين أن إقبال المالكية على مدونة سحنون، وتركهم للأسدية لم يكن مبنياً على هذه التخمينات، بل كان مبنياً على مسائل علمية صرفة، تخضع لمنطق العقل، وقوة الحجة. ومن بين ما شجع على الإقبال على مدونة سحنون ما يلي:
- كانت "الأسدية" تشتمل على أجوبة مالك برواية ابن القاسم، أو اجتهادات ابن القاسم على أصول مالك، بينما تضم "المدونة" -زيادة على ما في "الأسدية" مصححاً - الكثير من الأحاديث من موطأ ابن وهب، والكثير من الآثار عن وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهما، إضافة إلى
(١) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة الرابعة، العدد: ١٥، ١٤١٣ هـ. ص: ٧٥. مجلة الوطن العربي. باريس: ١ - ٧ كانون الثاني، ١٩٨٢. ع: ٢٥٥، ص: ٦٥. كوركيس عواد، أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم: ص: ٨٤.