بذهنه انتظار جبريل. لقد كان الأمر جديدا كل الجدة عليه حتى ليمضي فزعا إلى خديجة رضي الله عنها، يخاف أن يصيبه مس من الشيطان، ويخشى على عقله مما رأى وسمع. ولعل أمر النبوة في حس خديجة رضي الله عنها أكبر منه في حس النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي تأمل وتنتظر، وورقة من طرف آخر، يأمل ويتوق وينتظر:
أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح
وظني به أن سوف يبعث صادقا ... كما أرسل العبدان هود وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له ... بهاء ومنشور من الذكر واضح (١)
لقد كان الوحي مفاجأة كاملة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بينما كان عند أم المؤمنين خديجة تحقيقا لانتظار طال .. فخديجة وابن عمها ورقة كأنهم يرونه وأي العين أهلا لهذه النبوة. أما هو - صلى الله عليه وسلم - فما كان يخطر له على بال أن يكون النبي المبعوث رحمة للعالمين. لقد سمع ورأى، وكان الحجر والشجر يسلم عليه كما ثبت في الأحاديث الصحيحة. لكنه لم يكن يدري كيف تكون الرسالة، كيف يكون الوحي، فلم يقرأ في كتاب، ولم يجلس إلى راهب يحدثه عن هذا الأمر، ولم يسمع بشيء عن مفهوم الوحي والرسالة.
يؤكد هذا المعنى كتاب الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك
(١) رواه ابن إسحاق عن يونس بن بكر، الاكتفاء للكلاعي ١/ ٢٠٣، ٢٠٤.