ترك ابن إسحاق المدينة ورحل إلى غيرها متنقلا في أكثر من بلد، وفي ظننا أن رحلته إلى الإسكندرية التي كانت سنة ١١٥ هـ هي أولى رحلاته التي بدأ بها. وفي الإسكندرية حدث عن جماعة من أهل مصر منهم: عبيد الله بن المغيرة، ويزيد بن أبي حبيب، وثمامة بن شغي، وعبيد الله بن أبي جعفر، والقاسم بن قزمار، والسكن بن أبي كريمة، وانفرد ابن إسحاق برواية أحاديث عنهم لم يروها لهم غيره.
ثم كانت رحلته إلى الكوفة والجزيرة والري والحيرة وبغداد، وفي بغداد على الأرجح ألقى عصا الترحال ... ورواة ابن إسحاق من هذه البلدان أكثر ممن رووا عنه من أهل المدينة، بل المعروف أنه لم يرو له من أهل المدينة غير إبراهيم ابن سعد، وعاش ببغداد ما عاش حتى وافته منيته فدفن في مقبرة الخيزران) (١).
كان ابن إسحاق من أعلام القرن الثاني، وكان له علمه الواسع، وإطلاعه الغزير في أخبار الماضين، وشاءت المقادير أن يدخل ابن إسحاق على المنصور، ببغداد- وقيل بالحيرة- وبين يديه ابنه المهدي، فقال له المنصور: أتعرف هذا يابن إسحاق؟ قال: نعم، هذا ابن أمير المؤمنين، قال: اذهب فصنف له كتابا منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام إلى يومك هذا.
فذهب ابن إسحاق، فصنف له هذا الكتاب، فقال له: لقد طولته
(١) من مقدمة السيرة النبوية تحقيق السقا وزملائه ص ١٤.