٦ - وتوبة كعب رضي الله عنه. وما حملت في آفاقها من معاني السمو، والاعتراف بالخطأ. وتعاليه عن الدنيا التي تتراقص له بدعوة ملك غسان له (أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها)(١) وصبر على عقوبة الله تعالى له. حتى أن أعز إخوانه له لا يكلمه. وحتى زوجته يأتيه الأمر النبوي (إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أما ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها) فهو على استعداد لطلاق زوجته وأم ولده. وصبر لا يوما أو يومين. بل خمسين ليلة على هذا الحال، منها عشر ليال بمقاطعة امرأته له إلى أن جاءه الفرج بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت. ونزلت توبته من السماء. وتقدم فقال:(يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله).
ويكفي أن نذكر أن كعبا رضي الله عنه وأرضاه. كان من الطبقة الثالثة (المرجون لأمر الله إما أن يتوب عليهم وإما يعذبهم) لتخلفه عن غزوة تبوك دون عذر. وهو ممن شهد بيعة العقبة). فإذا كان هذا مستوى الطبقة الثالثة في الصدق. والولاء لله ورسوله. والالتزام في تنفيذ أشد العقوبات عليه. واستعداده لطلاق امرأته. وتخليه عن ماله. طاعة لله ولرسوله. فعلينا أن نفكر كثيرا. لنقارن بين أعلى المستويات الإيمانية عندنا والتي لا ترقى أبدا إلى أدناها هناك. وكم علينا أن نجاهد أنفسنا.