للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا (١)، ولا يفترقون إلا عن ذواق (٢)، ويخرجون أدلة، يعني على الخير.

قال: فسألته عن مخرجه: كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله (ص) يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره. ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقومه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه. الذين يلونه من الناس خيارهم. أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله (ص) لا يقوم ولا يجلس إلا عن ذكر وإذا انتهى إلى قوم، جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه بنصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله عن حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع كل الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوت، ولا تؤبن (٣) فيه الحرم، يتعاطون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون


(١) يدخلون روادا: أي طالبي علم.
(٢) لا يفترقون إلا عن ذواق: أي لا يفترقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب.
(٣) لا تؤبن: لا تذكر فيه بقبيح.

<<  <   >  >>