لقد ربى رسول الله (ص) أبا حذيفة حين أبرز له خطأه عن طريق عمر ودفعه إلى الندم عليه. وتابعه في أشد لحظات انفعاله حيث برز أثر التربية فيه، خلال الغزوة نفسها. وانتقل من هيئة من كان يريد قتل عم محمد (ص) بسيفه إلى هيئة من يرى مصرع أبيه وعمه وأخيه فلا يغضبه بل يحزنه موتهم على الكفر. وهي نقلة هائلة ولاشك. لا يمكن أن تتم إلا في مصنع العقيدة وعند مربيها عليه الصلاة والسلام.
٢ - أبو العاص بن الربيع: قال ابن اسحاق: وقام أبو العاص (بن الربيع) بمكة، وأقامت زينب عند رسول الله (ص) بالمدينة حين فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام. وكان رجلا مأمونا، بمال له وأموال لقريش. فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله (ص) فأصابوا ما معه، وأعجزهم هاربا. فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله، أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله (ص)، فاستجار بها فأجارته، وجاء في طلب ماله. فلما خرج رسول الله (ص) إلى الصبح - كما حدثني يزيد بن رومان - فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة (١) النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. قال: فلما سلم رسول الله (ص) أقبل على الناس فقال: ((أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟)) قالو: نعم، قال:((أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، إنه تجير على المسلمين أدناهم)).ثم انصرق رسول الله (ص). فدخل على ابنته فقال:((أي بنية. أكرمي مثواه. ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له.))).