للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وذكر كون النبي - صلى الله عليه وسلم - في كفالة عمه يكلؤه ويحفظه فمن حفظ الله له في ذلك أنه كان يتيما ليس له أب يرحمه، ولا أم ترأمه (١) لأنها ماتت وهو صغير، وكان عيال أبى طالب ضففا (٢)، وعيشهم شظفا (٣). فكان يوضع الطعام له وللصبية من أولاد أبي طالب، فيتطاولون إليه، ويتقاصر هو، وتمتد أيديهم، وتنقبض يده تكرما منه لاستحياء ونزاهة نفس، وقناعة قلب، فيصبحون غمصا رمصا (٤) مصفرة ألوانهم، ويصبح هو- عليه السلام- صقيلا دهينا كأنه في أنعم عيش، وأعز كفاية لطفا من الله- عز وجل- به، كذلك ذكره القتيبي في غريب الحديث) (٥).

وشاء الله تعالى لعبده وأحب خلقه إليه اليتم والفقر ليكون على يديه فيما بعد هداية الإنسانية وشفائها من آلامها المادية كاليتم والفقر، والمعنوية التي تتمثل بالضلال والتيه. ولهذا كان التوجيه الرباني له على ضوء عطائه له.

{فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث} (٦) والدعاة الذين لم يعانوا من هذه الآلام والهموم والمحن، غير


(١) ترأمه: تلحظه بعين العطف.
(٢) الضفف: الكثرة.
(٣) الشظف: الظيق.
(٤) غمصا رمصا: عيونهم تسيل من الوسخ والألم.
(٥) الروض الأنف للسهيلي ١/ ١٩٢.
(٦) سورة الضحى: ٩ - ١١.

<<  <   >  >>