للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخرة من النعيم، وأخبرنا بما يؤكل ويشرب وينكح ويفرش وغير ذلك، فلولا معرفتنا بما يشبه ذلك في الدينا لم نفهم ما وعدنا به، ونحن نعلم من ذلك أن تلك الحقائق ليست مثل هذه، فبين هذه الموجودات في الدنيا وتلك الموجودات في الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من بعض الوجوه، وبه فهمنا المراد، وبينهما مباينة ومفاضلة لا يقدر قدرهما في الدنيا، وهذا من التأويل الذي لا نعلمه نحن، بل يعلمه الله …

فإذا كانت صفات ذلك المخلوق مع مشابهتها لصفات هذا المخلوق، بينهما من التفاضل والتباين ما لا نعلمه في الدنيا بل هو من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ، وصفات الخالق ﷿ أولى أن يكون بينها وبين صفات المخلوق من التباين والتفاضل ما لا يعلمه إلا الله ، وأن يكون هذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله" (١).

سابعا: ضرورة وجود هذا المعنى الكلي المشترك حتى تفهم معاني الألفاظ؛ وإلا كان كلام الله ﷿ لا معنى له. يقول شيخ الإسلام : "ولولا أن هذه الأسماء والصفات تدل على معنى مشترك كلي يقتضي من المواطأة والموافقة والمشابهة ما به نفهم ونثبت هذه المعاني لله؛ لم نكن قد عرفنا عن الله شيئاً ولا صار في قلوبنا إيمان به ولا علم ولا معرفة ولا محبة ولا إرادة لعبادته ودعائه وسؤاله ومحبته وتعظيمه. فإن جميع هذه الأمور لا تكون إلا مع العلم، ولا يمكن للعلم إلا بإثبات تلك المعاني التي فيها من الموافقة والمواطأة ما به حصل لنا ما حصل من العلم لما غاب عن شهودنا" (٢).

وهذا القدر المشترك الضروري هو وجه الشبه بين ما يقال على الله تعالى من الأسماء وعلى المخلوق "وكون الله شبيهاً بخلقه من بعض الوجوه متفق عليه بين سائر المسلمين لاتفاقهم على أن الله تعالى موجود وشيء وعالم وقادر، فما من موجود إلا وله شبيه من بعض الوجوه، لاشتراكهما في الوجود" (٣). وهذا الشبه هو المعنى اللغوي، ولا يقتضي أبداً مماثلة في كيفية ولا قدر بل هو موجود مع المفاضلة والمباينة.


(١) شرح حديث النزول: ٢٢.
(٢) المرجع السابق: ٢٣.
(٣) بيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٤٩٤.

<<  <   >  >>