للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط.

فالرسول لما بيّن لنا أموراً لم تكن معروفة قبل ذلك وليس في لغتهم لفظ يدل عليها بعينها وأتى بألفاظ تناسب معانيها تلك المعاني وجعلها أسماء لها، فيكون بينها قدر مشترك كالصلاة والزكاة والصوم والإيمان والكفر.

وقد يكون الذي يخبر به الرسول لم يدركوا مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه، لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه، كما إذا أخبرهم عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر، فلا بد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ وبين مفردات ألفاظ ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم. فإذا كان ذلك المعنى الذي في الدنيا لم يشهدوه بعد، ويريد أن يجعلهم يشهدونه مشاهدة كاملة ليفهموا به القدر المشترك بينه وبين المعنى الغائب، أشهدهم إياه، وأشار لهم إليه، وفعل فعلاً يكون حكاية له وشبهاً به، يعلم المستمعون أن معرفتهم بالحقائق المشهودة هي الطريق التي يعرفون بها الأمور الغائبة، فينبغي أن تعرف هذه الدرجات:

أولها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة.

ثانيها: عقله لمعانيها الكلية.

ثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية المعقولة.

فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة، فلا بد من تعريفنا المعاني المشتركة بينها وبين الحقائق المشهودة والاشتباه الذي بينهما، وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة، ثم إن كانت مثلها، لم يحتج إلى ذكر الفارق، كما تقدم في قصص الأمم، وإن لم يكن مثلها، بين ذلك بذكر الفارق، بأن يقال: ليس ذلك مثل هذا، ونحو ذلك، وإذا تقدر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق، وانتفاء التساوي لا يمنع منه وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك، وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة، ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط" (١).

سادسا: من الأمثلة على القدر المشترك: نعيم الآخرة، فإن الله تعالى أخبرنا بما وعدنا في الدار


(١) شرح العقيدة الطحاوية: ١/ ٦٤ - ٦٨.

<<  <   >  >>