للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله " (١).

خامسا: أن القدر المشترك في الصفات بين الخالق والمخلوق هو المعنى الكلي الذي لا يوجد إلا في الذهن. فإن القدر المشترك بين الأسماء والصفات المقولة على الرب وعلى غيره، هو المعنى اللغوي الذي نفهمه من لغة التخاطب، اللغة العربية التي نزل بها الوحي، وهو المشترك المعنوي الذي تتفاضل أفراده، وهو المشكك أحد أقسام المتواطئ (٢) وهو شبه بين هذه الأسماء والصفات من هذا الوجه مع التفاضل والتباين من وجه آخر (٣).

"فالحياة -مثلاً- وصف مشترك بين الخالق والمخلوق، قال الله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: ٥٨]، وقال: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الروم: ١٩]، لكن حياة الخالق تختص به فهي حياة كاملة من جميع الوجوه لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، بخلاف حياة المخلوق فإنها حياة ناقصة مسبوقة بعدم متلوة بفناء، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)[الرحمن: ٢٦ - ٢٧].

فالقدر المشترك -وهو مطلق الحياة- كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر، لكن ما يختص به كل واحد ويتميز به لم يقع في اشتراك، وحينئذ لا محذور من الاشتراك في هذا المعنى الكلي، وإنما المحذور أن يجعل أحدهما مشاركاً للآخر فيما يختص به" (٤).

قال ابن أبي العز : "واعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلا أن يعرف عينها أو ما يناسب عينها ويكون بينها قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى، وإلا فلا


(١) التمهيد: ٧/ ١٤٥.
(٢) المشكك: هو ما يدل على أشياء لأمر عام مشترك بين أفرادها، لا على السواء، بل على التفاوت، أو هو: الكلي الذي لم يتساو صدقه على أفراده، بل كان حصوله في بعضها أولى أو أقدم أو أشد من البعض الآخر، كالوجود فإنه في الواجب أولى وأقدم وأشد مما في الممكن، وكالبياض للثلج والعاج. والمتواطئ: يدل على أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها، كدلالة اسم الإنسان على زيد وعمرو، أو هو: الكلي الذي يكون حصول معناه وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية بالسوية، كالإنسان والشمس، فالإنسان له أفراد في الخارج، والشمس لها أفراد في الذهن.
انظر: معيار العلم: ٨١، والتعريفات: ١٠٦، ١١٤، والمعجم الفلسفي: ٢/ ٣٣٤، ٣٧٨، المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء و المتكلمين: ٥٠ - ٥١.
(٣) انظر: التعريفات: ٢١٦، والكليات: ٩٣٦.
(٤) تقريب التدمرية: ٨٦ - ٨٧، وانظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة: ١٠٧٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>