للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صورته التي رأوه فيها أوَّل مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا … » (١)، وقوله : «خلق الله آدم على صورته» (٢)، والقول الصواب في مرجع الضمير أنه يعود إلى "الله"، وهو ما شهدت له الأدلة، وذهب إليه السلف لقول النبي : «إن الله ﷿ خلق آدم على صورة الرحمن» (٣).

فهذه الأحاديث قد تضافرت في إثبات الصورة لله -تعالى- على ما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهي صفة ذاتية لله، خلافاً لمن أنكرها من الجهمية ومن تابعهم، فبهذه الأحاديث قد أثبت أهل السنة والجماعة صفة الصورة.

قال أبو يعلى الفراء (٤) في التعليق على حديث «رأيت ربي في أحسن صورة» (٥): "اعلم أن الكلام في هذا الخبر يتعلق به فصول: أحدها: جواز إطلاق الصورة عليه" (٦).

ويقول ابن قتيبة (٧): "والذي عندي -والله تعالى أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك؛ لمجيئها في القرآن، ووقفت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا


(١) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ برقم: ٧٤٣٩، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم: ١٨٣.
(٢) صحيح البخاري، كتاب العتق، باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه، برقم: ٢٥٥٩، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب النهي عن ضرب الوجه، برقم: ٢٦١٢.
(٣) كتاب السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد، برقم ٤٩٨، ١٠٧٦، قال الشيخ حمود التويجري: قد صحت الرواية بذلك عن ابن عمر وصححها أحمد وإسحاق بن راهويه. انظر: عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن: ١٦، ٢٠ وما بعدها.
(٤) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد، المعروف بأبي يعلى الفراء البغدادي، شيخ الحنابلة وفقيههم، صاحب التصانيف الفريدة، ومنها: إبطال التأويلات، وكتاب مسائل الإيمان، توفي سنه ٤٥٨ هـ. انظر: شذرات الذهب: ٣/ ٣٠٦، تاريخ بغداد: ٢/ ٢٥٢.
(٥) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة ص، برقم: ٣٢٣٣، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: ٣١٦٩.
(٦) إبطال التأويلات: ١/ ١٢٦.
(٧) عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، خطيب أهل السنة وأحد أئمة السلف، من مؤلفاته: تفسير غريب القرآن، تأويل مختلف الحديث، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية وتأويل مشكل القرآن وغيرها، توفي سنة ٢٧٦ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء: ١٣/ ٢٩٦، وشذرات الذهب: ٢/ ١٦٩.

<<  <   >  >>