للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل السنة متفقون على إثبات ما هو من جنس الحركة كالمجيء والنزول) " (١).

حقيقة هذه الدعوى:

هو ما يسمونه: حلول الحوادث (٢)، فأي صفة تتضمن في المعنى العام ما هو بمعنى الحركة كالإتيان والمجاء فلا يكون عندهم صفة ثابتة. ومقصودهم بذلك نفي اتصاف الله بالصفات الاختيارية الفعلية، وهي التي يفعلها متى شاء، كيف شاء، مثل الإتيان لفصل القضاء، والضحك، والعجب، والفرح؛ فينفون جميع الصفات الاختيارية. وحجتهم في ذلك أن قيام تلك الصفات بالله يعني قيام الحوادث -أي الأشياء المخلوقة الموجودة بالله-، وإذا قامت به أصبح هو حادثاً بعد أن لم يكن، كما يعني ذلك أن تكون المخلوقات حالة فيه، وهذا ممتنع. كما أن الحركة من مكان لمكان يلزم منها التحيز والله ﷿ ليس بمتحيز.

الجواب عن هذه الدعوى:

أولا: أن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله من غير تكييف، ولا تمثيل، ومن غير تحريف، ولا تعطيل. وصفات الله التي أخبر بها عن نفسه حق على حقيقتها، ولا يشبه شيء منها صفات المخلوقين، لأن الرب لا تشبه ذاته ذوات المخلوقين، فهو سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

فعقيدة أهل السنة تنزيه الله تعالى عن مماثلة الحوادث في صفاته عموماً، وفي تلك الصفات خصوصاً، فلا يرون أن مجيئه ونزوله واستواءه كمجيء ونزول واستواء المخلوقين، بحيث يلزم من تلك الصفات ما يلزم منها في المخلوقين.

قال الإمام ابن بطة (٣٨٤ هـ) في الرد على مؤولة صفة النزول لله تعالى-: "فيقول -أي المعطل-: إن قلنا ينزل، فقد قلنا إنه يزول، والله لا يزول، ولو كان ينزل لزال لأن كل نازل زائل. فقلنا: أو لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن رب العالمين؟ فقد صرتم بهذه


(١) المرجع السابق: ٤٠٦ - ٤٠٧.
(٢) انظر: نقض الدارمي على المريسي: ١/ ٣٣٨، الفصل في الملل والأهواء والنحل: ٢/ ٩٧، ١٠٠، والأسماء والصفات: ٢/ ٣٧٠، ٣٧٨، ومقالات الإسلاميين: ٢/ ٥٤٨، ومجموع الفتاوى ٥/ ٥٦٥ - ٥٧٨، والاستقامة: ٢/ ٧٠ - ٧٨.

<<  <   >  >>