للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف، لأنكم إن جحدتم الآثار وكذبتم بالحديث رددتم على رسول الله قوله، وكذبتم خبره.

وإن قلتم لا ينزل إلا بزوال، فقد شبهتموه بخلقه، وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزل إلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان.

لكن نصدق نبينا كما قال: (ينزل ربنا ﷿ ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف شاء، لا نصف نزوله، ولا نحده، ولا نقول: إن نزوله زواله" (١)

قال شيخ الإسلام : " والذي يجب القطع به: أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه.

فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء فهو مخطئ قطعًا، كمن قال: إنه ينزل فيتحرك وينتقل، كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار، كقول من يقول: إنه يخلو منه العرش، فيكون نزوله تفريغًا لمكان وشغلا لآخر، فهذا باطل يجب تنزيه الرب عنه" (٢).

فنحن نعلم أن " المجيء والإتيان والصعود والنزول توصف به روح الإنسان التي تفارقه بالموت، وتسمى النفس، وتوصف به الملائكة، وليس نزول الروح وصعودها من جنس نزول البدن وصعوده؛ فإن روح المؤمن تصعد إلى فوق السموات، ثم تهبط إلى الأرض، فيما بين قبضها ووضع الميت في قبره. وهذا زمن يسير، لا يصعد البدن إلى ما فوق السموات، ثم ينزل إلى الأرض في مثل هذا الزمان" (٣).

فدل ذلك أن تلك الصفات في بعض المخلوقين لا يلزم فيها ما يلزم بعض المخلوقين، فلأن يكون ذلك غير لازم في حق الله أولى وأظهر.

ثانيا: أن من ينفون بعض الصفات لاستلزامها ما يزعمون أنها لوازم باطلة، فإن الجواب عنهم يكون بنفي اللزوم، فنقول: لا نسلم أن هذه اللوازم تلزم من أثبت هذه الصفات، ثم نقول: على فرض لزومها فهي ليست لازمة لنا، وإنما تلزم من تكلم بهذه الصفة ونطق بها، فإن


(١) الإبانة: ٣/ ٢٣٩.
(٢) شرح حديث النزول: ١٨٨ - ١٨٩.
(٣) المرجع السابق: ٨٢.

<<  <   >  >>