وكذلك لفظ (المكان) منهم من يطلقه، ومنهم من يمنع منه.
وأما لفظ (المتحيز) فمنهم من ينفيه وأكثرهم لا يطلقه ولا ينفيه؛ لأن هذه ألفاظ مجملة تحتمل حقاً وباطلاً، وإذا كان كذلك فيقال: قول القائل (إن الله في جهة أو حيز أو مكان) إن أراد به شيئا موجودا غير الله فذلك من جملة مخلوقاته ومصنوعاته فإذا قالوا: إن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه امتنع أن يكون محصورا أو محاطا بشيء موجود غيره سواء سمى مكانا أو جهة أو حيزا أو غير ذلك.
ويمتنع أيضاً أن يكون محتاجا إلى شيء من مخلوقاته: لا عرش ولا غيره بل هو بقدرته الحامل للعرش ولحملته فإن البائن عن المخلوقات العالي عليها يمتنع أن يكون في جوف شيء منها، وإذا قيل: إنه في السماء كان المعنى إنه في العلو وهو مع ذلك فوق كل شيء ليس في جوف السماوات فإن السماء هو العلو وكل ما علا فهو سماء …
فإذا قيل: فليمدد بسبب إلى السماء فقد يراد به السقف وإذا قيل: نزل المطر من السماء كان نزوله من السحاب.
وإذا قيل: العرش في السماء فالمراد به ما فوق الأفلاك وإذا قيل: الله في السماء فالمراد بالسماء ما فوق المخلوقات كلها أو يراد: أنه فوق السماء وعليها فأما أن يكون في جوف السماوات فليس هذا قول أهل الإثبات أهل العلم والسنة.
وإن أراد بمسمي الجهة والحيز والمكان أمراً معدوماً؛ فالمعدوم ليس شيئا فإذا سمى المسمى ما فوق المخلوقات كلها حيزاً وجهة ومكانا كان المعنى: أن الله وحده هناك ليس هناك غيره من الموجودات: لا جهة ولا حيز ولا مكان بل هو فوق كل موجود من الأحياز والجهات والأمكنة وغيرها ﷾.
وهؤلاء النفاة كثيرا ما يتكلمون بالأوهام والخيالات الفاسدة ويصفون الله بالنقائص والآفات ويمثلونه بالمخلوقات بل بالناقصات بل بالمعدومات بل بالممتنعات.
فكل ما يضيفونه إلى أهل الإثبات الذين يصفونه بصفات الكمال وينزهونه عن النقائص