كما نفى إجمالاً، فقال: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾ [الإخلاص: ٤]، وأثبت لنفسه الكمال الكلي العام في قوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، كما نزه تفصيلاً فقال: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥].
ولما نسب اليهود البخل لله تعالى، رد عليهم تفصيلاً فقال: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة: ٦٤].
وما معنى نفي الزوجة والولد عن الله تعالى! أليس هذا نفياً تفصيلياً ليُدفع به زعمهم القائل بإثباتهما له! تنزه وتعالى عن ذلك.
إذن، فطريقة النفي المجمل غير مسلَّم بها على الإطلاق، وهذا الذي فهمه السلف كما رأيت في قول الإمام أحمد.
وزيادة في التوضيح، فإن ثمة قاعدة أصولية غفلوا عنها، فكلمة "الإجمال" مصطلح معروف عند علماء الأصول، وحاصلها أنه لا يمكن العمل بها لاحتياجها إلى بيان، ولكون المجمل غير مبين، وغير المبين لا يُعمل به لعدم وضوح المعنى.
فالغافلون عن هذه القاعدة لا يجدون حرجاً عندما يثبتون تفصيلاً ما ينافي هذه الآيات الكريمة، فيقولون: الله له حد، وهو في جهة وفي حيز، وتَحُلُّ الحوادث في ذاته، وغير ذلك مما يناقض ظاهر الآيات الكريمة، وما ذلك إلا بسبب قاعدتهم الباطلة:"الإثبات التفصيلي والنفي الإجمالي" مع أنه لو لم يكن في القرآن إلا قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] لكفى في نفي المشابهة والمماثلة، فالمولى ﷾ لم يقل: ليس مثله شيء، وإنما جاءت الآية بكاف التشبيه، أي ليس من شبيه لمثله، فإذا كان المثل ممتنعاً فشبهه أشد امتناعاً، وهذا فهم أئمة السلف كالإمام أحمد ﵀.
فالنفي في الآيات نفي كلي أو عام، وهذا النفي قاطع ويجب العمل به، وليس مجملاً ولا يتوقف على بيان؛ لأن العموم مبين والنفي الكلي قاطع في محله، فهذه الآيات مُحكمة غير متشابهة، واضحة وبينة لا تتوقف على بيان، لذا فهي الحَكَم عندنا" (١).
(١) الإنصاف فيما أثير حوله الخلاف: ٢٦٧ - ٢٦٩، وانظر: مغالطات السلفية: ٢٠٠، نقض قواعد التشبيه من أقوال السلف ممن قالوا بالإمرار والتفويض: ٧٥.