للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحريف والتكييف، بأن منَّ عليهم بالتفهيم والتعريف، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قوله عز من قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]. قلت نعم هذا هو الحق، ولهذا فأصحاب الحديث بل الأئمة منهم كانوا يؤمنون بجميع أفعال الله وصفاته وكانوا يمرونها على ظاهرها ولا يخوضون فيها ولا يسألون عن كيفيتها، فهذا مالك إمام أهل الحجاز وهذا الثوري إمام أهل العراق، وهذا الأوزاعي إمام أهل الشام، وهذا الليث بن سعد إمام أهل مصر والمغرب، ثبت عنهم وعن غيرهم خلق كثير أنهم كانوا يؤمنون بها ويمرونها على ظاهرها ولا يؤولون فيها ولا يكيفون فيها" (١).

بل قد قال بعض متقدمي الأشاعرة بإثبات الصفات الفعلية لله ﷿، قال الذهبي في كتابه العلو، نقلاً عن أبو الحسن علي بن مهدي الطبري تلميذ الأشعري في كتاب (مشكل الآيات) له في باب قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)[طه: ٥]: "اعلم أن الله في السماء، فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء الاعتلاء، كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي، بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، فالقديم (٢) عال على عرشه، يدلك على أنه في السماء عال على عرشه قوله: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي﴾ [الملك: ١٦]، وقوله: ﴿يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥]، وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]، وقوله: ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة: ٥]" (٣).

وقال أبو بكر الباقلاني : "في كتاب الذب عن أبي الحسن الأشعري ، كذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله في صفات الله إذا صح من إثبات اليدين والوجه والعينين، ونقول إنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام، وإنه ينزل إلى السماء الدنيا كما في


(١) المرجع السابق: ١/ ١٠٥.
(٢) القديم: ليس من أسماء الله الحسنى، ولا صفة من صفاته، وإنما يجوز إطلاقه على الله تعالى في مقام الإخبار عنه، لا مقام التسمية والوصف. ومعناه عندهم الذي لم يسبق بعدم. ويغني عنه اسم الله: الأول. انظر: مجموع الفتاوى: ٩/ ٣٠١، وبدائع الفوائد: ١/ ٢٨٤ - ٢٨٥.
(٣) العلو: ٢٣١. وانظر بيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>