للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السؤال، فإنه هو القائل : «إن أحدهم ليسألني المسألة فأعطيه إياها، فيخرج بها يتأبطها ناراً، فقالوا: يا رسول الله، فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل» (١).

وأكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم فيه من الحال، لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم، كما أن السائلين به في الحياة كانوا كذلك، وفيهم من أجيب وأمر بالخروج من المدينة.

فهذا القدر إذا وقع يكون كرامة لصاحب القبر، أما أن يدل على حسن حال السائل، فلا فرق بين هذا وهذا، فإن الخلق لم ينهوا عن الصلاة عند القبور، واتخاذها مساجد استهانة بأهلها، بل لما يخاف عليهم من الفتنة، وإنما تكون الفتنة إذا انعقد سببها، فلولا أنه قد يحصل عند القبور ما يخاف الافتتان به لما نهى الناس عن ذلك.

وكذلك ما يذكر من الكرامات، وخوارق العادات، التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقي الشياطين والبهائم لها، واندفاع النار عنها وعمن جاورها، وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى، واستحباب الاندفان عند بعضهم، وحصول الأنس والسكينة عندها، ونزول العذاب بمن أهانها، فجنس هذا حق، ليس مما نحن فيه.

وما في قبور الأنبياء والصالحين، من كرامة الله ورحمته، وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق، لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك. وكل هذا لا يقتضي استحباب الصلاة، أو قصد الدعاء أو النسك عندها، لما في قصد العبادات عندها من المفاسد التي علمها الشارع … فذكرت هذه الأمور لأنها مما يتوهم معارضته لما قدمناه، وليس كذلك" (٢).

فهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يبين فيه الكرامة للولي أو صاحب القبر، ثم ذكر بعدها أن هذه الكرامة لا تستوجب المخالفة الشرعية والاعتقاد الباطل في هؤلاء الأولياء (٣). وهو موافق لما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب .


(١) مسند الإمام أحمد، برقم: ١١١٢٣، وانظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم: ٨١٥.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم: ٢/ ٢٥٤ - ٢٥٦ باختصار.
(٣) انظر: تفصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في الكرامات والرد على المخالفين في كتاب كرامات الأولياء د. عبد الله العنقري.

<<  <   >  >>