للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد صنف أهل السنة والجماعة الكتب في كرامات الأولياء وأخبارهم، مثل ما في كتاب (الزهد) للإمام أحمد و (حلية الأولياء) لأبي نعيم الأصبهاني، و (كرامات الأولياء) للالكائي (١).

ثانيا: أن نسبة هذا القول - عدم تكفير القائل بإثبات الكرامة والتصرف للولي بعد وفاته- لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لا تصح؛ فشيخ الإسلام وابن القيم يثبتون الكرامة للأولياء؛ ولكن ينكرون الاعتقادات الباطلة، ويدل عليه كلام ابن تيمية نفسه في نفس الموضع الذي نقل منه الكاتب؛ لكن عادة بعض أهل البدع بتر النصوص وعدم النقل الصحيح، وسأنقل كلام ابن تيمية ، والجواب عن هذه الشبهة من كلامه، حيث يقول:

"ولا يدخل في هذا الباب -أي استجابة الدعاء عند القبر- ما يروى من أن قوماً سمعوا رد السلام من قبر النبي ، أو قبور غيره من الصالحين. وأن سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة (٢)، ونحو ذلك. فهذا كله حق ليس مما نحن فيه، والأمر أجل من ذلك وأعظم.

وكذلك أيضاً ما يروى: «أن رجلاً جاء إلى قبر النبي ، فشكا إليه الجدب عام الرمادة (٣)، فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر، فيأمره أن يخرج يستسقي بالناس» (٤). فإن هذا ليس من هذا الباب. ومثل هذا يقع كثيراً لمن هو دون النبي ، وأعرف من هذا وقائع (٥).

وكذلك سؤال بعضهم للنبي ، أو لغيره من أمته حاجة فتقضى له، فإن هذا قد وقع كثيراً، وليس هو مما نحن فيه.

وعليك أن تعلم أن إجابة النبي أو غيره لهؤلاء السائلين، ليس مما يدل على استحباب


(١) انظر: منهاج السنة النبوية: ٨/ ١٣٥، وكرامات الأولياء للعنقري: ٣٩ - ١٧٣، وكرامات الأولياء للأبي: ١٩ - ٤٨٨.
(٢) أي ليالي وقعة الحرة التي حدثت سنة ٦٣ هـ بين أهل المدينة وجيش يزيد بن معاوية بقيادة مسلم بن عقبة فهزم أهل المدينة واستباحها. انظر: البداية والنهاية: ٨/ ٢١٧ - ٢٢٤.
(٣) سمي عام الرمادة؛ لأن الأرض اسودت من الجدب حتى صار لونها كالرماد. وهو عام ١٨ هـ في عهد عمر بن الخطاب . انظر: البداية والنهاية: ٨/ ٩٠.
(٤) ذكر القصة ابن كثير في البداية والنهاية: ٧/ ٩١، ٩٢، وصحح إسنادها.
(٥) يريد به أن الوقائع القدرية في مثل هذا لها أسباب متعددة لا يحيط بها إلاَّ الله، فلا يستدل بها على التشريع والاستحباب أو الجواز. انظر: مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام: ٥٠٧.

<<  <   >  >>