للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل يقدم عليها أم لا؟

فإن التثبت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يعرف دين العبد، وعقله ورزانته، بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها، قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي، كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في هذه الآية، لما لم يتثبتوا، وقتلوا من سلّم عليهم، وكان معه غنيمة له، أو مال غيره، ظناً أنه يستكفي بذلك قتلَهم، وكان هذا خطأ في نفس الأمر، فلهذا عاتبهم الله بقوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ [النساء: ٩٤] أي: فلا يحملنكم العرض الفاني القليل، على ارتكاب ما لا يبغي، فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل الباقي، فما عند الله خير وأبقى" (١).

وقال الإمام محمد في حديث أسامة قال: «بعثنا رسول الله في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة (٢)، فأدركت رجلاً، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي ، فقال رسول الله : أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليّ، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ» (٣)، "فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعى الإسلام إلا خوفاً على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه، حتى يتبين منه ما يخالف ذلك" (٤).

خامسا: أن الإمام محمد بن عبد الوهاب كان شديد التحرز والتثبت في مسائل التكفير، فكان يتوقف عن القول بما لم يتضح عنده، عملاً بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)[الإسراء: ٣٦].


(١) تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن: ١٩٤.
(٢) هم بطن من جهينة، سُموا بذلك: لوقعة كانت بينهم وبين بني مرة بن عوف بن سعد، فأحرقوهم بالسهام، لكثرة من قتلوا منهم. انظر: فتح الباري: ١٢/ ١٩٥.
(٣) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، برقم: ٩٦.
(٤) مؤلفات الشيخ: ١٧٦. وانظر: شرح النووي على مسلم: ٢/ ١٠٤

<<  <   >  >>