للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحسن إقامة الحجة " (١).

ثامنا: أن الحجة لا تقوم إلا بشرطين:

الشرط الأول: بلوغ الحجة على وجه يستطيع فهمها إذا أراد.

الشرط الثاني: التمكن من معرفة الحجة.

فإذا تحقق الشرط قامت الحجة وإلا فلا؛ فالشرط الأول: بلوغ الحجة على وجه يستطيع فهمها بأن تبلغ الحجة المكلف بلغته، وبخطاب يفهمه، فباتفاق الأئمة لا تقوم الحجة بمخاطبة الأعجمي بلسان عربي لا يفهمه، بل لا بد أن يفهم القرآن فهم دلالة وإرشاد، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤].

قال ابن القيم بعد أن ذكر لغة العرب-: "فإن دلالة القرآن والسنة على معانيها من جنس دلالة لغة كل قوم على ما يعرفونه ويعتادونه من تلك اللغة، وهذا لا يخص العرب، بل هو أمر ضروري لجميع بني آدم يتوقف العلم بمدلول ألفاظهم على كونهم من أهل تلك اللغة التي وقع بينهم بها التخاطب؛ ولهذا لم يرسل الله رسولاً إلا بلسان قومه ليبين لهم، فتقوم عليهم الحجة بما فهموه من خطابه لهم" (٢).

ولذا فإن الحجة تقوم على المعين بترجمة الخطاب بلغته التي يفهمها، إذا كان ممن لم يفهم ذلك باللغة العربية، قال القرطبي : " ﴿بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤]، أي: بلغتهم؟ ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم؛ لأن المراد اللغة، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي ترجمة يفهمها لزمته الحجة" (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فكذلك بعث محمداً إلى قومه وغير قومه، ولكن


(١) شرح كشف الشبهات: ١/ ٣٧٩ - ٣٨٠.
(٢) الصواعق المرسلة: ٢/ ٧٤٢.
(٣) الجامع لأحكام القرآن: ٩/ ٣٤٠.

<<  <   >  >>