للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي بيان دلالة القرآن على أنواع التوحيد؛ يقول ابن القيم بعد أن ذكر أن كل طائفة تسمي باطلهم توحيدا: "وأما التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه، فوراء ذلك كله، وهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات وتوحيد في الطلب والقصد.

فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله وعلوّه فوق سمواته على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه.

وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جدّ الإفصاح. كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة تنزيل السجدة، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها، وغير ذلك.

النوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون: ١]، وقوله: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] الآية، وأول سورة تنزيل الكتاب -الزخرف- وآخرها، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام، وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد".

ثم ذكر قولاً كلياً في تضمن القرآن للتوحيد في كل آياته فقال: " إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن: إما خبر عن الله، وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد. فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم … " (١).

قال الشوكاني (٢): "واعلم أن إيراد الآيات القرآنية على إثبات كل مقصد من هذه


(١) مدارج السالكين: ٣/ ٤١٧، وانظر: شرح الطحاوية: ٣٩.
(٢) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني، الإمام العلامة المجتهد، محدث فقيه مفسر مؤرخ، ولي القضاء مدة، وله مؤلفات من أشهرها: نيل الأوطار، وفتح القدير، البدر الطالع، ت سنة ١٢٥٠ هـ. انظر: البدر الطالع: ٢/ ٢١٤، التاج المكلل: ٤٤٢.

<<  <   >  >>