بهذا الأسلوب الذي ينال فيه المستدل من غيره، ويظهر نفسه بمظهر الأول الذي لم يسبق إلى التنبيه عليه، فالذين لم يذكروا الحديث ممن صنف في الولاء والبراء قد يكون المانع لهم من ذكره علمهم بضعف الحديث فامتنعوا من إيراده؛ لأن التحقيق والتحرير يلزم معهما عدم الاستدلال بالحديث الضعيف - خصوصا في المسائل المهمة- على أنه أصلٌ غفل عنه الناس؛ لذا أعرضوا عنه، مع أن من أورده - كما سيأتي توضيحه- يورده إيراد أمثاله من الروايات التي يوردها أهل العلم، لا على أنها مما لم يسبقهم أحد إليه، بل على أنها مما ورد في الباب، وينبغي إيراده استتماما لبحث المسألة، ليس إلا.
ثالثا: حديث سهيل بن بيضاء (١)﵁، هو أنه كان مسلماً بمكة، يخفي إسلامه، ثم إنه خرج مع المشركين ببدر، ووقع في الأسر. فقال النبي ﷺ:«لا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق».
فقال ابن مسعود ﵁:«يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء، فإني قد سمعته يذكر الإسلام، فقال ﷺ بعد سكتة-: «إلا سهيل بن بيضاء».
رابعا: أن هذا الحديث فيه الدلالة على أن من أسلم قبل الظفر به؛ فإنه يعصم ماله ودمه، ونصوص الفقهاء في تقرير ذلك كثيرة.
وأصل المسألة (من أسلم من الكفار قبل أسره) موجود في كتب أئمة الدعوة ومعروف لديهم، ولا يلزم الاستدلال لها بكل حديث، فقد جاء في الدرر السنية ما نصه:
"ويكفي في ذلك ما روى أحمد والترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، عن ابن مسعود قال: لما كان يوم بدر، جيء بالأسرى وفيهم العباس، فقال رسول الله ﷺ:«ما ترون في هؤلاء الأسرى؟»، فقال أبو بكر: يا رسول الله! قومك وأهلك، استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم - وفي حديث أنس عند أحمد: نرى أن تعفو عنهم، وتقبل منهم الفداء، وفي حديث ابن مسعود - فقال عمر: يا رسول الله! كذبوك وأخرجوك وقاتلوك! قدمهم
(١) ذكرت سهيلا ولم أذكر سهلا، إلتزاما بما ورد عند الكاتب وفي بعض الروايات كذلك.