للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصيام إلا بفراقهم، فعل; ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه، ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم، فعل، وموافقتهم على الجهاد معهم، بنفسه وماله، مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله أكبر من ذلك بكثير، كثير; فهذا أيضا: كافر، وهو ممن قال الله فيهم: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (٩١)[النساء: ٩١]. فهذا الذي نقول" (١).

فهذا كلام الإمام في بيان من هم أعداءه، وأنهم كلهم ممن خالف التوحيد، ولم يذكر في موضع واحد أنه من خالف عقيدته؛ بل إنه يطالب أن يرد عليه إذا خالف الحق.

وقد كان يبايع أصحابه على مفارقة المشركين، فعن جرير بن عبد الله أنه قال: أتيت النبي وهو يبايع فقلت: يا رسول الله، أبسط يدك حتى أبايعك، واشترط علىّ وأنت أعلم، فقال: «أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين» (٢).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص لما سأل الرسول عن آيات الإسلام، فقال الرسول : «أن تقول أسلمت وجهي لله ﷿ وتخليت (٣)، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، ثم قال: كل مسلم على مسلم حرام أخوان نصيران، لا يقبل الله ﷿ من مشرك بعد ما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين» (٤).

فعلّق المفارقة بوصفهم بالمشركين، ونفوس المسلمين مجبولة على بغضهم (٥)، وهو مقتضى البراء منهم، كما أن نصح المسلمين ونصرتهم من مقتضى الولاء لهم. فحب المؤمنين وبغض


(١) الدرر السنية: ١/ ١٠٢ - ١٠٤.
(٢) سنن النسائي، كتاب البيعة، باب البيعة على فراق المشرك، برقم: ٤١٧٧. وانظر: صحيح سنن النسائي، برقم: ٤١٧٧.
(٣) التخلي: التفرغ. أراد التبعد من الشرك وعقد القلب على الإيمان. انظر: حاشية السندي على سنن النسائي: ٥/ ٥.
(٤) مسند الإمام أحمد، برقم: ٢٠٠٤٤. وقال محققو الكتاب: إسناده حسن.
(٥) انظر: منح الجليل شرح مختصر خليل: ٣/ ١٥٠، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام: ٧٢.

<<  <   >  >>