للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخبر الله أنه جعل لكل نبي أرسله أعداء، من شياطين الإنس والجن، يقومون بضد ما جاءت به الرسل، فيزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقًا. ثم تميل بعد ذلك إلى ذلك الكلام المزخرف أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة، يحملهم على ذلك. فحصل لهم الإصغاء، ثم الميل إليه، فنتج عنه التزيين في القلوب، فيكون عقيدة راسخة.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي : "ومن حكمة الله تعالى، في جعله للأنبياء أعداء، وللباطل أنصارا قائمين بالدعوة إليه، أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان، ليتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى.

ومن حكمته أن في ذلك بيانا للحق، وتوضيحا له، فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه؛ فإنه -حينئذ- يتبين من أدلة الحق، وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه، ما هو من أكبر المطالب، التي يتنافس فيها المتنافسون" (١).

وقبل أن أذكر الأسباب والوسائل لخصوم الدعوة، فأقول على سبيل الإجمال فإن أعداء الدعوة خمس طوائف:

الطائفة الأولى: الجهال الخرافيون من عوام الناس.

الذين قلدوا الآباء والأجداد فرفضوا الدعوة تقليداً للآباء والأجداد، جرياً على سنة الأولين، قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)[الزخرف: ٢٢].

الطائفة الثانية: طائفة تنتسب للعلم.

وهؤلاء ردوا دعوة الإمام عناداً وحسداً أن يظهر الحق على يد الإمام، وأن يعرف الناسُ الحقَ بدعوته، وقد كان بعضهم يكاتب الإمام سراً ويذكر موافقته له، وعجزه عن إظهار الدعوة


(١) المرجع السابق: ٢٧٠.

<<  <   >  >>