للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآلاءه لديهم؛ ليذْكروا أياديَه عندهم، فينيبوا إلى طاعته -تعطُّفًا منه بذلك عليهم، ورأفةً منه بهم، ورحمةً لهم، من غير ما حاجة منه إلى عبادتهم، ولكن ليُتم نعمته عليهم ولعلهم يهتدون" (١).

وقد أشار ابن كثير إلى دلالة هذه الآية على توحيد الألوهية من خلال بيان ما انفرد الله تعالى به من الربوبية، كما أشار إلى المسلكين السابقين حيث يقول: "شرع في بيان وحدانية ألوهيته، بأنه تعالى هو المنعم على عبيده، بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة" إلى أن قال: "ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار، وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يُشرك به غيره" (٢).

وقال تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)[الصافات: ١ - ٥].

قال ابن القيم : "وأقسم سبحانه بذلك على توحيد ربوبيته وإلهيته، وقرر توحيد ربوبيته فقال: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)[الصافات: ٤ - ٥]. وهذا من أعظم الأدلة على أنه إله واحد ولو كان معه إله آخر لكان الإله مشاركاً له في ربوبيته، كما شاركه في إلهيته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً".

ثم نبه إلى أن هذه الطريقة من قواعد القرآن في تقرير توحيد الألوهية فقال: "وهذه قاعدة القرآن يقرر توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية، فيقرر كونه معبوداً بكونه خالقاً رازقاً وحده" (٣).

وقال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)[البقرة: ١٦٣ - ١٦٤].

فهذه الآية اشتملت على توحيد الألوهية في بدايتها: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾


(١) تفسير الطبري: ١/ ٣٦٥.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ١٩٤ - ١٩٦.
(٣) التبيان في أقسام القرآن: ص ٤٢٧ - ٤٢٨.

<<  <   >  >>