التي تعني المعبود ليس فيها تخصيص ذلك بالمعبود بحق ولا دون حق؛ بل متعلق بالعابد فمن عبد شيئًا فهو إلههُ، أما قولهم "بحق" في شرح لا إله إلا الله فإنما هو إظهار للجواب المقدر بعد لا النافية للجنس؛ لأن التقدير "لا إله (حقٌّ) إلا الله"، وليس داخلاً في لفظ الإله؛ بل هو مقدر في سياق الجملة.
ومعنى لا إله إلا الله مفسر في قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)﴾ [الزخرف: ٢٦ - ٢٨]؛ فتبرأ إبراهيم ﵇ من الآلهة المعبودة من دون الله ولم يتولَّ إلا الله، وجعل هذا الأمر كلمةً باقيةً في عقبه وهي كلمة التوحيد، فليست مجرد التكذيب بالآلهة أو اعتقاد استحقاق الله للعبادة، بل هي البراءة الفعلية من كل ما يُعبد من دون الله وعبادة الله وحده، فهذه هي الكلمة التي عليها مدار الدين وهي أصل الإيمان واليقين (١).
سابعًا: ما يترتب على هذا القول والغلط من لوازم فاسدة، فإنه لو اقتصر على تفسير "لا إله إلا الله" بمعنى الإلهية للزم كون إبليس مؤمنًا؛ فإنه يعتقد ويوقن بأن الله سبحانه هو وحده المستحق للعبادة، ويعلم أن ما يفعله ويدعو إليه ضلال مبين وغواية، ومع ذلك فإنه كافر بالله غير موحد، ولا يقول أحد من أهل الإسلام إن إبليس ممن يشهد ألا إله إلا الله فضلاً عن كونه من الموحدين، فكذلك كل من أقر باستحقاق الله ﷿ للعبادة ثم أعرض أو استكبر أو عبد غير الله معه ولو معتقدًا بطلان ما يفعل؛ فإنه يكون على كلامهم موحدا.
ثامنًا: أن دعوة الرسل والأنبياء جميعا إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد فسروا هذه الكلمة بفعل الأمر الذي يقتضي الامتثال والعمل، فليس الأمر مجرد استحقاق الله أن يعبد؛ بل الألوهية حقيقة عبادته كما دعا إليه الأنبياء والرسل جميعًا. ولهذا يقول الرسل والأنبياء فيما أخبرنا الله من دعواتهم: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وأخبر عن عيسى ﵇: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ٧٢]، وفي آخر المائدة: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾