للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعلمون أنه لا رب لكم غيره، كما نُقل ذلك عن جمع من المفسرين (١).

فلو كان المعنى ما ذكره هؤلاء المتكلمون لما استقام الإنكار على المشركين الذين يقرون بأن الله هو خالقهم وخالق كل شيء، وإنما كان شركهم في الألوهية (٢).

الوجه الثالث: إن هذا القول غير معروف عند أهل اللغة، ولذلك لم يحتج من قال بهذا القول بشاهد من شواهد لغة العرب، ولا بنقل إمام معتبر من أئمة اللغة (٣).

والإلهية: مصدر صناعي من اسم الإله، يراد به اتصاف الرب بكونه إلهًا في نفسه، والمعنى استحقاق الرب جل وعلا أن يُعبد وتُصرف إليه وجوه القربة، واتصافه بما يوجب إفراده بالعبادة من الربوبية وصفات الكمال.

والألوهية: العبادة وصرف أنواعها لله ﷿، وهي بمعنى الإلهة.

فالإلهية صفة من صفات ربوبية الله ، والألوهية هي صرف أفعال العباد التي يستحقها الله جل وعلا إليه وحده، فالأولى صفة الخالق والثانية القصد إليه بأفعال المخلوقين. وعلى هذا فتوحيد الإلهية داخل في توحيد المعرفة والإثبات لا في توحيد الطلب والقصد، ومن فسر لا إله إلا الله بمعنى الإلهية فقد قصرها على المعرفة والإثبات ولم يدخل فيها توحيد الطلب والقصد، وكان مفسرًا لكلمة التوحيد بالربوبية حقيقة.

ومعنى لا إله إلا الله يشمل المعرفة والطلب، فمن المعرفة معرفة أن الله منفرد باستحقاق العبادة، ومن اعتقد هذا الاعتقاد لم يكن موحدًا لله توحيدًا حقيقيا حتى يجمع إلى ذلك عمله به وقصده إليه بأن يُفرد الله وحده بالعبادة ويجتنب عبادة غيره.

سادسا: الفهم الخاطئ للتعريف المشهور لكلمة التوحيد: لا معبود بحق إلا الله، فظنوا أن معنى الإله في كلمة التوحيد متعلّقٌ بكلمة: "بحق"، والحق أن معنى الإله هو في كلمة "معبود"، أما كلمة "بحق" فهي قيد لإخراج المألوهات من دون الله، وهذا ظاهر إذا تأملت أن كلمة الإله


(١) انظر: جامع البيان للطبري: ١/ ١٦٣.
(٢) انظر: تيسير العزيز الحميد: ٧٦.
(٣) انظر: المرجع السابق: ٧٦.

<<  <   >  >>